للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الثاني - أنهم يفترون على الله، ويقولون: (وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) ويتأولون ذلك بأنه ما دام لم ينهنا عنها فقد أمرنا بها.

وهذا تفكير جاهلي، يقولون أمر الله بالشرك وبتحريم بعض الذبائِح، وِتحريم بعض ما تخرجه الأرض، ويقولون: (. . . لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكنَا وَلا آباؤنَا ولا حرَّمْنَا مِن شَيْء. . .)، وهذا ما يبرر به المعاصي بعض الجاهلين في هذا الزمان، وقد رد الله كلامهم بقوله تعالى: (قلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمر بالْفَحْشَاء أَتَقولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

أمر الله تعالى نبيه بأن يواجههم بافترائهم على الله تعالى، ببيان أنه يستحيل على الله ما يفترون عليه؛ لأن الله تعالى له الكمال المطلق، ومن له الكمال المطلق لا يأمر بالفحشاء؛ لأنه لَا يصدر عنه إلا ما هو كمال في ذاته، ولا يتنافى مع عقل عاقل ويرضاه ذو ذوق سليم، وقال تعالى: (لا يَأمر بِالْفَحْشَاءِ) ولم يقل " ما أمر بذلك "، أو ما أمر بالفحشاء، بل قال نافيا الأمر بالفعل المضارع: (لا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ) فلا يمكن أن يأمر بذلك لَا في الماضي ولا في المستقبل، وليس من شأنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وكان النفي بالمضارِع؛ لأنه نفي لشأن الله ثم قال تعالى، كما أمر نبيه أن يستنكر قولهم: (أَتَقولُون عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)؟! الاستفهام هنا إنكاري لإنكار الواقع، أي لتوبيخهم على ما وقع منهم؛ لأنهم فعلا افتروا على الله افتراء، فقالوا ما لَا يعلمون صدقه، ولم يصل إليهم عن الله تعالى أمره فيه وحكمه.

وإن ذلك فوق أنه توبيخ لهم، واستنكار لفعلهم - فيه توجيه لهم لئلا يتكلموا إلا بعلم، وأن الشيطان لينفذ إلى ما يحكمون به بأوهامهم وأهوائهم.

وتقديم قوله تعالى: (عَلَى اللَّهِ) لبيان وجه الاستنكار الشديد، وهو أنهم يقولون على الله جل جلاله، فكان قولهم هذا أشد الافتراء.

ثم بين سبحانه فقال بعد أن نفي أنه يأمر بالفحشاء:

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>