للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)

* * *

المهاد: المكان الممهد للإقامة فيه، كما قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)، وكما قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا).

وأحسب أن التعبير عن جهنم بأن لهم مهاد منها فيه نوع تهكم، أي أنه تعالى مهّد لهم جهنم بدل الراحة التي كانت لهم في الدنيا، بتمهيد الأرض يتمتعون من خيراتها.

وغواش، جمع غاشية وهي الغطاء، وغطاؤهم هنا نار موقدة، فبعد أن كانوا يلتحفون بالرياش، ويفترشون الوسائد، صار مهادهم جهنم، وغطاؤهم نار مشتعلة تشتعل عليهم، (. . . كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودَا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ. . .).

وخلاصة المعنى أن مهادهم أو فراشهم نار، وغطاءهم نار، والنار تحيط بهم يلتفون فيها وتشوى بها جباههم وجنوبهم، وكل أجسادهم، ولا منفذ منها إلا إليها، فلا يخلصون منها أبدا، وإن ذلك جزاء من كذبوا بآيات الله كافرين بها ظالمين، ولذا قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).

أي كهذا الجزاء الذي جازى الله تعالى به الذين كذبوا بآياته واستكبروا، شأن الله تعالى في جزاء الظالمين، فهو العادل القادر الذي لَا يظلم أحدا.

والتعبير هنا بالظالمين، وفي الآية السابقة بالمجرمين؛ لأن الوصفين متحققان فيهما، فهم أجرموا في حق المجتمع فأفسدوه؛ وظلموا أنفسهم، وظلموا الحقائق بما ارتكبوا من معاصٍ، وتعدوا الحدود، ومن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه، وكان ما ينزل بهم يوم القيامة جزاء وفاقا لما ارتكبوا، والله تعالى يتغمدنا بعطفه ومغفرته.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>