للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله تعالى من قلوب المؤمنين " (١).

ورد في بعض الآثار أن أهل الجنة إذا سيقوا وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فإذا شربوا من إحداهما ينزع الله ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلم يشعثوا، ولم يشيخوا بعدها أبدا، ولقد قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا. . .).

هذا النعيم معنوي، وهناك نعيم حسي قال الله تعالى فيه: (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) أي أنهم في غرفات تجري الأنهار، وكأنها تجوس خلالها، فيكون منظر النهر العذب ينساب انسيابا، ومنظر الظلال والأشجار ينسرق (٢) من تحتها الماء، ويرزقهم الله تعالى أمرا معنويا هو الاطمئنان إلى الهداية، وفيها إدراك ما وصلوا إليه بفضل الله تعالى، وقد حمدوا الله تعالى على ما وصلوا إليه في الدنيا، وأورثهم الله ثمراته في الآخرة، فيقولون ما حكى الله تعالى عنهم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ).

إن قولهم هذا سرور وفرح واطمئنان إلى الغاية التي آل إليها أمرهم، ويقول صاحب الكشاف في هذا: يقولون ذلك سرورا واغتباطا بما نالوا، وتلذذا بالتكلم به. . كما ترى من رُزق خيرا في الدنيا، يتكلم بنحو ذلك، ولا يتمالك أن يقوله للفرخ.

وقوله تعالى: (وَمَا كنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) أي ما كان من شأننا ونحن لَا نملك من أمرنا شيئا أن نرشد ونهتدي إلى الحق لولا أن هدانا الله تعالى،


(١) ذكره القرِطبى، والثعالبي في مستهل تفسيره لهذه الآية دون إسناد. ورواه البخاري بنحو: التفسير (٦٣٨٨) - (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ. . .).
(٢) أي ينساب بخفاء وفتور.

<<  <  ج: ص:  >  >>