للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذبناها. ويقرون الآن بالحق الذي أنكروه فَيَنُصُّون على أن الرسل جاءوا بالحق، أي الأمر الثابت الذي لَا يرد ولا ينكر، وأحسوا بغفلتهم عنه في الدنيا وأن العذاب واقع بهم لَا محالة، فيتجهون إلى طلب الشفعاء، فيقولون؛ (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا).

" الفاء " هنا لتفصل ما اعترى نفوسهم في هذا الهول، ومع أن الله قد قال في كتابه عن هذا اليوم لَا يُقبل فيها شفاعة ولا عدل، مع ذلك طلبوا الشفعاء، أو رجوا أن تكون ثمة شفاعة، فقالوا: (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا)، و (من) هنا لاستغراق الطلب، والمعنى هل يوجد لنا من شفعاء أي شفعاء كانوا، سواء أكانوا أولياء أم كانوا أعداء ولو شامتين، ولكنها أمنية لَا تتحقق؛ ولا يمكن أن تتحقق؛ لأن الله تعالى نفي ذلك في الدنيا، وهو لَا يخلف موعده.

ولأنهم يئسوا من أن يكون لهم شفعاء قالوا أمرا آخر وهو أن يردوا إلى الدنيا، فيعملوا غير الذي عملوا فيقولون: (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ).

ولكنهم إذا عادوا إلى الدنيا سيطرت أهواؤها وغرتهم بغرورها فكانوا كما هِم، ولقد قال الله تعالى في آية أخرى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨).

ولقد ختم الله تعالى الآية بتسجيل الخسارة عليهم، وتخلي أوليائهم عنهم فقال عز من قائل: (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ).

أكد الله تعالى خسارتهم بقيد، فقد خسروا في ذات أنفسهم إذ ضلوا، والضلال خسارة للنفس، وخسروا أنفسهم فأوقعوها في الهلاك الذي يكون يوم تأويله، وخسروا الحق فكانوا من المبطلين، وخسروا أيضا أولياء لهم يناصرونهم، ولذا قال تعالى: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي غابوا غيبة منقطعة لَا يعرفون أين هم، وهم الأوثان التي كاتوا يفترونها، فخسروا خسرانا مبينا، وعبر - سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>