للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحوادث في شيء، كما قال تعالى: (. . . لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير).

وإنه ليبدو لنا غير مفتاتين، ولا مدعين، أن قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) تعبير مجازي، قصد به استيلاء الله تعالى على حكم هذا الذي خلقه فهو تشبيه سلطان الله تعالى فيما خلق من السماوات والأرض وما بينهما وتدبيره لهما، وتسييره أمرهما - بمن يستوي على عرش ملك يدبره ويسير أمره، ولله - سبحانه وتعالى - المثل الأعلى في السماوات والأرض.

بعد ذلك وجه الأنظار إلى ما يجري بين الناس كل يوم من ليل ونهار، شمس وقمر ونجوم مسخرات بين السماء والأرض، فقال عز من قائل: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ أي يجعل الليل غاشيا للنهار؛ لأنه ظلام، والظلام هو الذي يغشى النور، وذلك في الحس، فالظلام يجيء ويستر النور، والنور يعقبه، وكل ذلك في ترتيب مستمر، وكان كل واحد منهما يطلبه حثيثا (١)، ولا يتخلف، لَا الليل يسبق النهار، ولا النهار يسبق الليل كما قال تعالى: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).

وقوله تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي خلقهما، فـ " الشمس " معطوفة على " السماوات والأرض " - في يومين، وقوله تعالى: (وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) أي خلق الله - سبحانه وتعالى - النجوم مذللات بأمره، تسير في مداراتها كل نجم يسير في مداره باستمرار بأمر الله تعالى، وهذا يدل عليه قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا. . .)، فكل شيء يسير بأمر الله تعالى، وهو على كل شيء قدير.


(١) حَثِيثًا أي مُسْرِعا حَريصا. لسان العرب - حثث.

<<  <  ج: ص:  >  >>