للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ " (١).

وإن المأثور عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يدعون الله تعالى، ويعبدونه متسترين إلا ما يكون في جماعة، ولقد كانوا وهم في أعمالهم يدعون الله تعالى بالتوفيق والعمل الصالح، حتى وهم في المجاهدين يدرعون بالصبر، والالتجاء إلى الله تعالى ورجاء رحمته ونصرته، وهم في خيرهم يتسترون ولا يجهرون، لأن الستر يجعله خالصا لله، مخلصين له الدين، روي عن الحسن البصري أنه قال: " إن كان الرجل قد جمع القرآن وما يشعر به أحد، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْرُ وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان مع الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبدا، ولقد يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم؛ وذلك أن الله يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)؛ وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا وحكى عنه فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا).

وكان الدعاء " خفية " ذا فضل عظيم، لأنه مناجاة الله، وكأنه يُودع ربه سرَّه وعلانيته، وهو مظهر المحبة، وهو بعيد عن كل رياء، ولأن النية مطلوبة قالوا: إن الإشارة في الدعاء إلى السماء ليست مطلوبة، ونحن نقول:

إن الدعاء الخفي أفضل من الدعاء الجلي، بيد أن الدعاء بالجهر قد يكون مطلوبا كالتلبية، وفي هذه الحال تجوز الإشارة بالأيدي لأن ذلك انفعال ضارع. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ويشير بيديه (٢)، وقالوا: إنه كان يدعو وهو


(١) متفق عليه؛ رواه بهذا اللفظ البخاري: الجهاد والسير - ما يكره من رفع الصوت في التكبير (٣٩٩٢)، ومسلم بنحوه: الذكر والدعاء (٢٧٠٤). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٢) من ذلك ما رواه البخاري: الحج - إذا رمى الجمرتين (١٧٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>