للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بقسمة الله تعالى العادلة، فالمعنى سقناه إلى هذا البلد، ليكون مختصا بها حتى يحيي مواتها، فإذا ماتت أرض أخرى اختصصناها بما يحييها من غير تثريب (١) فسبحان الرزاق الحكيم.

والبلد الميت، هو الأرض الميتة التي لَا ماء فيها، ولا ينتفع بها في زرع أو غرس، ولا يوجد ما يأكل منه حيوان أو يحيا به إنسان، فيحيي الماء بعد مواتها بإذن الله العليم الحكيم الرزاق ذي القوة المتين.

وقال تعالى: (فَأنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأخْرَجْنَا بِهِ مِن كُل الثمَرَاتِ).

إن السحاب الذي ساقه الله تعالى إلى البلد الميت يلقي حمولته من الماء بإذن الله وبأمره وبنعمته؛ ولذا قال: (فَأنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ) والضمير في (به) يعود على البلد الميت، أي فاخرجنا بهذا البلد الميت، الذي لَا ينبت زرعا (مِن كُل الثمَرَاتِ) من: هنا بيانية، أي أخرجنا كل الثمرات بهذا البلد الميت، أخرجنا حبا وزيتونا ورمانا، متشابها وغير متشابه، وأخرجنا نخلا وعنبا، وأخرجنا كل شيء، وجعلنا منه كلأ تأكل منه الإبل والبقر والغنم، وكل ذي كبد رطبة ينتفع بها، ويختبر بها.

فكان من هذه الأرض الموات تلك الحياة، وذلك الخَضِر من كل شيء، وإن ذلك يقرب لكم إعادة الأموات إلى الحياة؛ ولذا قال تعالى خاتما الآية الكريمة: (كذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَرُونَ).

أي كهذا الذي رأيتم من إخراج ثمرات كل شيء نباتا حيا، وغرسا مثمرا، وحبا متراكبا، وكلأ طعاما للنعم كهذا الذي شاهدتم، وتشاهدون كل يوم يخرج الله تعالى الأموات من قبورهم أحياء، فالتذكير بقدرة الله تعالى على البعث ثابت في كل ما يشاهدون، يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي.


(١) التثريب: كالتأنيب والتعيير والاستقصاء في اللوْم، يقال: لَا تثريب عليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>