للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّكمْ لَتَأتُونَ الزِجَالَ شَهْوة مِّن دُونِ النِّسَاءِ) أكد لوط - عليه السلام - فعلتهم النكراء، بـ " إنَّ " وباللام. يأتونهم أي يضعون فيهم ما يوضع في النساء، وعبر بالرجال لبيان مخالفة الفطرة بوضع ما هو للنساء في الرجال، وهذه شناعة لَا حدود لها، ويظهر أنها كانت معروفة عند اليونان والرومان ولكن ليست شائعة؛ ولذا وجد خالد بن الوليد عند فتح الشام مثل هذه فأرسل إلى خليفة رسول الله أبي بكر - رضي الله عنه - يخبره بأنه رأى عجبا، رأى الرجل يفترش الرجل كما تفترش النساء، فسأل عن هذه الحال، فاستشار الصحابة في حكم هذه الحال والحد الواجب.

وقوله: (شَهْوَةً) مفعول مطلق لمحذوف تقديره، تشتهونهم شهوة من دون النساء، أي يكون منكم ما يكون للنساء، وهو في الفطرة. وهذا بيان لعكسهم للفطرة، إذ يشتهون ما ليس موضع شهوة لانحراف نفوسهم وعقولهم، وإنسانيتهم، مُضْرِبا عن ذلك بالترقِّي في أوصافهم بقوله: (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مسْرِفُونَ) وبل هنا للإضراب ببيان أوصافهم، فوصفهم بأنهم مسرفون في البهيمية، إذ أتوا ما لا ترضى به البهائم، ومسرفون في التفحش إذ خرجوا على سنة الإنسانية، ومسرفون في هذه العادة الشاذة، فهم يُعرِضُون عن النساء، ويطلبون الرجال، ومسرفون في أفعالهم، فإن من يشيع فيهم هذه الحال تكون كل أفعالهم شذوذا في شذوذ، كما ترى الآن في أمريكا، وما يشبهها ممن تقع فيهم هذه الحال، حتى إنه في إنجلترا يعترف بأن للشاب أن يتزوج الشاب، وتحترم هذه العلاقة الشاذة.

ومعنى شيوع هذه العادة الشاذة في قوم لوط، أنها كانت تقع ولا تستنكر، وكان ذلك كثيرا، وكان أكثرهم لَا يتناهى عن ذلك، ولا يعده سبة وأمرا غير جائز، ويروى الحسن البصري أنهم كانوا يفعلون ذلك فيمن يجيئون إليهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>