للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (مِنْ حُلِيِّهِمْ)، أي صنعوا من حليهم، جمعوها وصهروها، وصنعوها على شكل عجل، يعبدونه كما يعبده المصريون و (جَسَدًا) أي جسما، (لَهُ خُوَارٌ)، أي صوت كصوت خوار البقر، لما مهروا في صناعته وفي وضعه، والجسد لم يكن فيه حياة ككل الأجسام، وقد فهم بعض الناس من كلمة جسد أنه كان فيه حياة، والحقيقة أن كلمة جسد تكون بمعنى جسم في كل دلالاتها، وسواء أكان فيها حياة أم لم تكن، وإن استعمال جسد في التعبير عن الجسم كثير في القرآن، ولقد قال الأصفهاني في مفرداته: " والجسد كالجسم، ولكنه أخص، وقال الخليل: لَا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه، وأيضا فإن الجسد ما له لون، والجسم يقال لما لَا لون له كالماء والهواء، وقوله عز وجل: (وَمَا جَعَلْنَاهُم جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ). . وقال: (. . . عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خوَار. . .)، وقال تعالى: (. . . وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ).

والخلاصة أن الجسد بمعنى الجسم، وأنه لَا يشترط في الجسد أن تكون فيه حياة، وأنه يطلق على الجماد. وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكلُونَ الطَّعَامَ. . .)، أي ما جعلناهم جمادا لَا يحتاج غذاء، بل جعلناهم أحياء يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق. ولقد بين الله تعالى بطلان عبادة العجل وبيان أنه ليس بحي فقال تعالت كلماته: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ)، وفي آية أخرى في غير هذه السورة، فقال تعالى في سورة طه: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩).

وإن ذلك دليل على أنه لَا حياة في هذا الجسد، وإنما هو جماد قد ذكر القرآن أصله وهو الحلي، (اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) فقد ظلموا الحق بعملهم على خلاف التوحيد، وظلموا أنفسهم بعبادة ما صنعوه بأيديهم، وظلموا موسى الذي أنقذهم من طغيان فرعون، وكذبوا آيات الله تعالى الدالة على وحدانيته وأفسدوا تفكيرهم الذي هدى موسى إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>