للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا أحد أمور أربعة خص الله تعالى رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصف عام للشريعة الإسلامية، فكل أمر تأمر به من الحلال، وتكلف الناس أن يقوموا به هو من الأمور التي تقرها العقول، وتعرفها، إذ المعروف الأمر الذي ترضاه العقول، وتراه صالحا مصلحا للناس، تقره وتعرفه بفطرتها، ودين الفطرة يأمر بكل ما يستقيم مع الفطرة، فالعبادات كلها، ومنها الزكاة تقرها الفطرة، والعقل المستقيم، والوفاء بالعهود، وجهاد الأشرار لحماية الفضيلة، وإقامة الحدود، والقصاص من المعتدين تقره الفطرة ويؤيده العقل.

وكل أمر نهى عنه الإسلام هو من الأمور التي لَا تقرها العقول، وتتجافاه، فالزنا والسُّكر، وقذف الأطهار، والاعتداء على الأنفس والمال، ومحاربة العدل، ونصرة الظالمين والرضا بظلمهم أمور تنكرها العقول السليمة وتجافيها. وقد سئل أعرابي أسلم: لماذا آمنت بمحمد؟ قال: ما رأيت محمدا يقول في أمر افعل والعقل يقول لَا تفعل، وما رأيت محمدا يقول في أمر لَا تفعل والعقل يقول افعل.

والأمر الثاني الذي ذكره القرآن مما يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا إليه في رسالته ما ذكره الله تعالى بقوله: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، والطيبات هي الأمور المستحسنة في ذاتها، من أطعمة طيبة مريئة، هنيئة، لَا تفسد الأجسام ولا تضر العقول، ولباس حسن من غير إسراف ولا مخيلة، ولذات طيبة في حدود الخُلق والمروءة، وتصرفات طيبة لَا اعتداء فيها، ولا نكث وخيانة، وغير ذلك مما هو طيب في ذاته، وحصل عليه بطريق طيب أحله الله تعالى ولا اعتداء فيه ولا اغتصاب.

(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وهي الأشياء الخبيثة في ذاتها التي تضر الأجسام، كالخنزير والميتة والدم المسفوح أو تضر العقول كالخمر، أو تلقي بالعداوة بين الناس كالميسر والبغضاء أو الاعتداء على حق غيره بالسرقة والاغتصاب أو القتل، فكل هذه خبائث تدخل في باب الفحشاء والمنكر والبغي، وكذلك أكل أموال الناس بالباطل كالربا ونحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>