للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول سبحانه: (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ)، وهكذا يتوالى أخذ الآثام والاستغفار عنها، ولا توبة ولا إقلاع من قلوبهم.

وإن التعبير عن متع الحياة التي يأخذونها بقوله تعالت كلماته: (يَأخذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى)، والأدنى هو مذكر دنيا، أو دنيا مؤنث أدنى، والعرض هو الأموال التي ليست دراهم ولا دنانير، ولكنها أهون من ذلك فهم يتخذون عرض الأدنى من الأموال، إما لضآلتها وإما لخبثها وخبث كسبها كالميسر، والربا والرشوة والسرقة. يفعلون ذلك ويقولون: (سَيُغْفَر لَنَا)، وكأنهم متأكدون من ذلك من غير توبة ولا استغفار. ويتوالى ذلك منهم، كما حدث في عصور ضعف الإيمان، إذ يقولون: إن الذنوب تغفر ولو أصروا عليها.

ولقد روى في ذلك عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: " سَيَبْلَى الْقُرْآنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ، فَيَتَهَافَتُ، يَقْرَءُونَهُ لَا يَجِدُونَ لَهُ شَهْوَةً وَلَا لَذَّةً، يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ، أَعْمَالُهُمْ طَمَعٌ لَا يُخَالِطُهُ خَوْفٌ، إِنْ قَصَّرُوا، قَالُوا: سَنَبْلُغُ، وَإِنْ أَسَاءُوا، قَالُوا: سَيُغْفَرُ لَنَا، إِنَّا لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا " (١).

وهكذا تكون الحال، إذا ضعفت القلوب والهمم وضعف الإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ينسون المواثيق التي أخذت عليهم؛ ولذا يوبخهم القرآن الكريم.

وإن كل المحرمات هي العرض الأدنى في هذه الحياة؛ لأن الله ما حرمها إلا لخبثها، ولأنها أدنى طرق الكسب، فالكسب الطيب يكون من كرام الرجال، ومن العرض الطيب، وليس الأدنى.

وقد بين الله تعالى أنهم كان في نفوسهم خبث، وطلبوا خبث الكسب والأدنى في الحياة مع أنهم أخذت عليهم المواثيق بأن لَا يقولوا على الله إلا الحق؛ ولذا قال تعالى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ).


(١) رواه الدارمي هكذا موقوفا على معاذ بن جبل: فضائل القرآن - تعاهد القرآن (٣٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>