للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنه توجد موازنة حكيمة، بين نفس متقية مؤمنة هدايتها من نفسها إذا جاءها الشر أو طائف منه قاومته بذكر الله وبصيرة المؤمن، وبصبر الإيمان.

والنفس الأخرى نفس شقية أغواها السوء، فلما طاف عليها طائف الشر، زينته وأغرى النفس إخوان السوء وزينوه وحسنوه، فأصرت على طائف الشر بتزيينهم، وتشجيعهم ومدهم، فهم في طغيانهم يعمهون وأن يستمروا على تحسين الشر، ولا ينهون تحسينهم وتزيينهم. فهم في غمرة من الشر لَا تنتهي، ولذا قال تعالى: (ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) أقصر معناها أنهى، و (ثُمَّ) هنا للدلالة على تَراخي الزمن واستمراره، فهي في موضعها، والمعنى ثم بعد استمرارهم في غيهم وضلالهم (لا يُقْصِرُونَ)، أي لَا ينتهون بل دائمون.

وهكذا الشر يستمر مع مقاومة الفطرة باستمرار دعاة الغي وأنصاره، وكان مدهم وتزيينهم مستمرا يغذي شجرة الشر، كما يغذي الماء القذر النبات الخبيث الذي لَا يكون إلا نكدا.

فالشر يتغذى بدعاة الشر، وينمو ويغلظ سوقه بهم، والفساد لَا يستشري في جماعة ويعمها بالشر إلا بالبيئة الفاسدة وبالرأي العام الفاسد المرذول، فإخوان السوء يمدون بالغي وسواء أكانوا آحادا، أم كانوا جماعات، وكلمة إخوانهم تنطبق عليهم.

وإن من يرد إصلاح جماعة لَا يصلح آحادها ابتداء إنما يصلح نية الإخوان الذين يسيطرون على جوها العام أولا، ثم يصلحون الآحاد، فيصلحون بالجولة الأولى.

وإنك إن علوت من رذائل الأفعال إلى فساد العقول، تجد إخوان السوء هم الذين يمدون في فساد العقول بعبادة الأوثان والكفر بالآيات؛ ولذا قال تعالى:

(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>