للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكر الله تعالى يكون في حال خوف من عقابه؛ ولذا قال تعالى: (وَخِيفَةً)، أي حال خوف فإن الخوف من الله يطهر النفس، ويجعلها لا تستحسن ما تقدم، بل تستصغر ما تقدم وتطلب المزيد من الخير فترضي الله تعالى أو تنال رضوانه، وهو أكبر جزاء، وإن الخوف يوجب استصغار شأن العبيد، ومن عز عند الله كانت له العزة، ومن عز عند العبيد كانت له الذلة، ومن خاف من الله لَا يخاف الناس.

وإن الذكر لله الأصل فيه القلب، ولكن يكون مع القلب ذكر اللسان، بحيث لَا يسمع إلا نفسه؛ ولذا يقول تعالى في حال الذاكر لله: (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).

وإن الله - سبحانه - حد النطق باللسان فجعله دون الجهر من القول، أي لا يرفعه جاهرا، ولا يخفضه خافتا ولكن لَا بد من ذكر اللسان؛ لأن ذكر اللسان، يسد منافذ الشيطان، فحركة اللسان المقصودة تضبط النفس نحو ذكر الله تعالى: ويجعل ذكر النفس ثابتا، وعمرانها بالله قائما لَا يُنسى وحدَّ الله تعالى الوقت فقال: (بِالْغُدُوِّ) أي في غداة اليوم، (وَالآصَالِ)، وهي جمع " أصيل "، كـ " يمين " و " أيمان ". إن الذكر يكون وقت الغدو أي وقت الصفاء، والآصال أي وقت استرواح النفسر من عناء عمل الناس، وبعض العلماء يقول: إن تحديد هذين الوقتين لدوام الذكر آناء النهار وطرفا من الليل، أي يكون في ذكر دائم، ويقرب هذا قراءة " وبالإيصال " أي من الغدوة وأصلا الذكر دائما ما دام صاحيا.

وقد يقول قائل: كيف يكون وقت المعاش والقيام بالصناعات؛ نقول: يجب دوام ذكر الله تعالى وهو في عمله؛ لأن العمل عبادة والذكر عبادة ولا مانع من أن يجتمعا، فيكون عاملا عابدا، مجدا ذكر الله، وينطبق على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لَا يحبه إلا الله " (١) فهو يعمل لينفع الناس ويقصد ذلك، وهذه عبادة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خير الناس أنفعهم للناس " (٢).

* * *


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>