للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك لم يكن النصر المؤزر كما كان في بدر؛ إذ لم يكن الأقوياء الذين غير بهم وجه القوة في البلاد العربية هذا هو الضعف، وذاك هو العزة، وخفف الله التكليف في تناسب العدد في حال الضعف، فجعل المائة تغلب مائتين. وقال تعالى في ذلك: (فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ مَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ) أي أن التكليف يكون بأنه إذا كان مائة لَا يجوز أن يفروا من مائتين، بل عليهم أن يثبتوا، وإن كان ألف يجب أن يثبتوا أمام الألفين.

والتخفيف هو تخفيف التكليف، وتخفيف التكليف لَا يمكن أن يعد نسخا، وقد يعد ترخيصا من عزيمة وهي الأصل، ولم يقل: ألف صابرة، أي لم يذكر وصف الصبر، اكتفاء بذكره أولا، وذلك شأن الكلام البليغ موجز حيث يوجد ما يدل على المضمون.

وذكر المائة في مقابل المائتين، كما ابتدأ في الآية الماضية ذكر العشرين ابتداء، وذلك من التخفيف؛ لأن العشرين مع القدرة عدد مناسب للسرايا ونحو ذلك، فلا يرسل فيها إلا الأقوياء، ولا يرسل فيها من يكون فيه ضعف، إلا بعدد كثير، فكان ذكر المائة كحد أدنى، لجماعة فيهم ضعف.

ومع قلة التناسب في العدد في حال وجود الضعف، لَا يكون النصر بقوتهم الذاتية، إنما يكون النصر بإذنه أي بتوفيقه وتوجيهه، وهو لازم في كل الأحوال في حال القوة، وإن كان هناك ضعف، وصرح به هنا لأنه واضح بأنه من أسباب النصر، أو سببه في حال ما إذا كان ضعف.

ومن الناس من شغف بإثبات النسخ في القرآن فيفرضون النسخ لأوهى معارضة لفظية، كما فرضوا النسخ في آيات الصيام، ولا معارضة بين آياته، وكما فرضوا النسخ بين الآيتين، وكان المعنى بين الآيات واحدا يكمل بعضه بعضا، كذلك ادعوا النسخ هنا، فافترضوه لمجرد التخالف التقديري بين الآيتين، وادعوا أن الثانية ناسخة للأولى مع أنه لَا تعارض بين الآيتين، إن الأولى ذكرت ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>