للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يكن العقاب لهذا الكتاب الذي أشرنا إليه، فالنص يومئ إلى أن أخذ الأسرى لولا ما حف به - لكان محل العقاب.

وعبر سبحانه وتعالى عن العذاب بقوله تعالى: (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فعبر عن العذاب بـ (مسَّكم)؛ لأن عذاب النار يمس الجلد، ونكر العذاب ببيان أنه عذاب شديد، ووصفه بأنه عظيم، لأنه على قدر الذنب الموقع يكون العذاب، والذنب لو وقع كان في الحرب، والحرب إما هزيمة وانتصار، ويجب ألا يكون فيها تراخ، ولا أخذ بالهوادة، بل إنها أخذ بالصرامة والصرامة في الحرب تمنعها، ويرهبها الناس، فلا يقعون في أسبابها.

وقوله تعالى: (فِيمَا أَخَذْتُمْ) من المال يوهم أن أخذ المال وحده هو السبب في هذا العقاب، والحقيقة أن ذلك جزء من السبب وإن لم يكن جوهر السبب؛ لأن السبب الأصلي هو أخذ الأسرى، وتبع هذا الأخذ إن اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الفداء تيسيرا عليهم، واستبقاء لهم عسى أن يتوبوا، وقد دخل في الإسلام أكثرهم واستمر على الكفر أقلهم، والتيسير في الدعوة مطلوب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمجاهدين: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " (١).

وقلنا: إن أخذ المال جزء من سبب المؤاخذة؛ لأن المؤاخذة هي على الأسر وما تبعه من أخذ الفداء أو إن شئت فقل إذا إن السبب أخذ المال في هذا الأسر الذي لم يسغ.

وقد قال الرازي: إن بعض المفسرين قال إن قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)، نسخت: (لَوْلا كِتَابٌ منَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ) إلى آخرها، والحق أنه لَا نسخ، بل الآيتان متلاقيتان متضافران في الدلالة على معنى واحد وهو أنه لَا أسر إلا عند الإثخان، وإذا كان الأسر في موضعه ووقته، فالإمام يخير بين المَنِّ من غير فداء، والفداء بالمال، أو مبادلة


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>