للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤)

الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - آمرا أمته بالجهاد محرضا على التجرد له، والانقطاع له، لا يشغله قلبه إلا أن ينتصر لله ورسوله ويعتز بأهل الإيمان (إِن كَانَ أَبْنَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) والعشيرة هي الجماعة المتناصرة المتوالية، وهم الأقربون، ومن يدانونهم، (وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا) أي اكتسبتموها مقتطعين لها؛ لأن الاقتراف معناه الأطماع (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا)، أي ثمينة لها أوقات تخشون ألا تروج في وقتها، (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا)، أي ترضون مناخها، وحدائق ترعونها، (أَحَبَّ إِلَيْكم مِّنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ)، أي تؤثرون المعيشة الرافهة الفاكهة عن طاعة الله ورسوله (وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِه) في سبيل الله تنالون به العزة، وتبعدون به الذلة (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) أي ترقبوا، حتى تنزل المذلة إن استرخيتم تحت ظل النعيم، وعند الاسترخاء والاستنامة للراحة يكون القعود عن الجهاد، ولقد توقع خليفة رسول الله ذلك، إذ قال رضي الله عنه: " لتألمن على الصوف الأزربي كما يتألم أحدكم من النوم على - حَسْك السَّعدان "، ولقد كان ذلك عندما وجدوا الدمقس والحرير، وجلسوا على عرش كسرى، وجاءتهم غنائم من الأندلس والصين، عندئذ كان الترفه والتنعم، والارتماء في أحضان القيان، وكثرت الأغاني، ورق الذوق، وحين كان ذلك لَا تكون عزيمة، ولقد قال الزمخشري في ذلك: هذه آية شديدة وهي قوله: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة لهذا الدين، واضطراب حال اليقين، فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه هل يجد عنده من التصلب في ذات الله والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والإخوان والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا، ويتجرد منها لأجله أم يزوى الله

<<  <  ج: ص:  >  >>