للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسواق، وتسعظ، وقتله - في زعمهم - الرومان وصلبوه، وجعلتم الصليب، قالوا: إن اللاهوت دخل الناسوت، أو ولد اللاهوت والناسوت، ولم يستطيعوا أن يصوروا ما يقولون تصويرا تدركه العقول.

ومما يجب ذكره أنهم في الزوبعة التي أثارها قسطنطين الروماني الوثني الذي حول النصرانية إلى وثنية عندما أراد دخولها، وذلك في مجمع نيقية آنف الذكر - وجد الأكثرون من بينهم يستنكرون الألوهية، ولكن ما زالوا يعذبونهم، ويطردونهم، حتى وسندوا فكرة الألوهية توسيدا.

وممن أعلن معارضتهم نسطورس الذي أقر بالبنوة التي ادعاها بولس، ولكنه قال إنها بنوة محبة ثم سادت بعد بين أتباع " نيتشة " عندما ساد التثليث فكرة الثلاثة سموها صفات، وجاء بعض المسيحيين في هذه الأيام لما أحسوا باستنكار العقول لعقيدتهم الباطلة، واستحسن كلمة الصفات وهي الأخرى غير معقولة، فذات المسيح المصلوب في زعمهم الذي ولد وعاش وقتل ودفن ثم قام من قبره لَا يمكن أن تكون صفة، إذ الصفة غير الذات.

وإن هذا التثليث هو بذاته اعتقاد الأفلاطونية الحديثة، اختاره قسطنطين، ومن تبعه دينا لهم (١).

وما أبلغ قوله تعالى في تصوير حالهم، إذ يقول: (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ)، فهو ليس إلا ألفاظا تردد من غير تصور لمعناها، ويلقنونها لمن يدعونهم إليها، ويستعينون بطرق الاستهواء المختلفة، والخمور، ليودعوها عقولا ضالة بهم.

وقال تعالى: (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كفَرُوا) يضاهئون أي يشابهون قول الذين كفروا، وذكر الله تعالى الذين كفروا ولم يبين من هم فقيل المشركون، ولا شك أن وصف الذين كفروا ينطبق عليهم، وهم يشابهونهم في أنهم أشركوا في العبادة غير الله، كما أشرك أولئك الأوثان، وإني أقول إن المشابهة ليست بعيدة


(١) راجع " محاضرات في النصرانية، للإمام محمد أبو زهرة - دار الفكر العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>