للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مبتدعة، فقال تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧).

(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا)، أي جعلوهم أربابا، وفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - كونهم أربابا، لَا بأنهم عبدوهم، ولكن اتخذوا الدين منهم لَا من كتابهم، فما يحلونه حلال، وما يحرمونه حرام، ولو كانوا يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله.

روى الترمذي عن عدي بن حاتم الطائي أنه أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقه صليب من ذهب فقال له: " ما هذا يا عَدِيّ اطرح عنك هذا الوثن، ويقول حاتم: وسمعته يقرأ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مرْيَمَ) ثم قال " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " (١) فهم يأخذون عن هؤلاء، وقد كان ذلك سببا لضلالهم، فأحلوا لهم الخنزير وشرب الخمر، وملأوا رءوسهم بالأوهام، وابتدعوا ابتداء ما سموه بالعشاء الرباني الذي يكون فيه خبز وخمر، فأوهموهم أن الخبز جَسَدُ المسيح، والخمر دمه، فأباحوه في هذا العشاء.

وإذا كان علم الدين لم يؤخذ إلا منهم فقد أضلوهم ضلالا بعيدا، إذ لم يأخذوا الدين إلا منهم، وتفسير الكتب إلا منهم، وبذلك تركوا دينهم، وتعاليم المسيح إلا منهم فزوروها، ووضعوا الزيف بدل الحياد منها (وَالْمَسِيحَ)، وهو معطوف على الأحبار، وقدم قوله تعالى: (مِن دُونِ اللَّهِ) على (الْمَسِيحَ)، للإشارة إلى أنهم اتخذوه بمرتبة من الربوبية التي نحلوها له غير ما اتخذوه من أربابهم.


(١) الترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة التوبة (٣٠٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>