للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعضها الآخر، فأول الآية يبين شريعة الأشهر الحرم، وآخرها - في زعمهم الغريب عن كل معقول في القول - يهدمه، وهذا إذا كان في كلام الناس يكون غريبا، فكيف يكون مقبولا في كلام الله سبحانه وتعالى، بل من الغريب أنهم تنسَّخوها قبل تتميم حكمها بالكلام في النسيء، ويزكون وهمهم الكاذب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاصر الطائف في الشهر الحرام، وإن الثابت تاريخيا أن النبي أنهى الحصار قبل انتهاء شوال (١).

وإن الحق أنه لَا نسخ، ومن ادعى النسخ فقد ادعى أمرا غير معقول في ذاته، وذلك لما يأتي:

أولا - أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أكد تحريم القتال في الأشهر الحرم في حجة الوداع، وبين أحكاما أخرى.

ثانيا - أن الله تعالى ذكر الشهر الحرام في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ. . .).

وهذا في سورة المائدة التي هي من أواخر القرآن نزولا، وقال تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْث وَجَدتُّمُوهُمْ. . .) وقال تعالى: (يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كبِيرٌ. . .).

وهكذا تعددت الآيات المحرمة، ومع ذلك يدعي بعض الفقهاء النسخ بغير حجة إلا أن تكون موافقة الملوك الشرهين إلى الدماء، وتكون مع المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.

وقد أتم الله تعالى ما ذكره في تحريم القتال في الأشهر الحرم، وتلاعب المشركين به فقال:

* * *

(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٣٧)

* * *


(١) راجع كتاب " خاتم النبيين " للإمام محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>