للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يأخذوا بغير حق. و (إِذَا) - تدل على أن سخطهم أمر لَا يرتبط بمنطق الأمور، فهم فاجئوا أهل الحق به، والدليل على المفاجأة (إِذَا) فهي تدل على المفاجأة.

والمفاجأة تدل على أنه غير منطقي؛ لأن من يرضى بالحق عند العطاء، لا يصح أن يغضب إن منع بحق، ولكن النفس المنافقة تريد دائما أن تحتجز الخير لنفسها، ولا تلتفت إلى حق غيرها، فآية المؤمن أن يعرف حق غيره كما يعرف حق نفسه، ومن علامة المنافق النفسية ألا يفكر في حق غيره، فكل من لَا يلتفت إلى حق غيره فيه شعبة من نفاق.

ومما روي في معنى هذه الآية، ممن كانوا يلمزون في الصدقات أن أبا الجواظ من المنافقين في أعلى درجات النفاق قال: ألا ترون إلى صاحبكم، إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم وهو يزعم أنه يعدل، وروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له وقد فهم أنه يعيب رعاة الغنم قال له: " لا أبا لك، أما كان موسى راعيا، أما كان داود ". فلما ذهب أبو الجواظ هذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون " (١).

وقد وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لَا للدين وما فيه صلاح أهله.

وروى في الصحيحين عن أبي سلمة أن ذا الخويصرة واسمه حرقوص اعترض على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قسم غنائم حنين، فقال: اعدل فإنك لم تعدل فقال صلوات الله وسلامه عليه: " قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ "، ثم قال: " إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء " (٢).


(١) أشار المصنف رحمه الله: هذا المبحث مأخوذ من الكشاف للزمخشري.
(٢) رواه في البخاري: المناقب - علامات النبوة (٣٦١٠) عن أبي سَعِيدِ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، كما رواه مسلم بنحوه: الزكاة - ذكر الخوارج وصفاتهم (١٠٤٦).
أبو مسلمة هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، من الطبقة الوسطى من التابعين، وهو الراوي عن أبي سعيد رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>