للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) لَا تفرق اللغة بين الفقراء والمساكين في الجملة، فكلاهما لَا مال له يكفيه وأهله بالمعروف ولكنهما اجتمعا في هذه الآية على أنهما صنفان مختلفان، يتميز كل واحد منهما عن الآخر، وعن الاجتماع بين لفظين معناهما متقارب يخص كل واحد منهما بمعنى ينفرد به عن الآخر، وقد اختلف الفقهاء في تعريف الفقير ليتميز عن المسكين، واختلافهم بلا ريب أدى إلى اختلافهم في معنى المسكين.

فقال الأكثرون الفقير ضد الغني، وهو من لَا يملك نصابا، وهو ما تكون قيمته عشرين مثقالا من ذهب، أو مائتي درهم من فضة، والمسكين من أسكنته الحاجة وأذلته، أي أنه دون الفقير حالا، وقيل العكس، ولكن الأكثرين على الأول، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه فسر المسكين بأنه المريض بمرض مزمن من أهل الذمة.

وروي أن المسكين هو المتجمل الذي لَا يسأل الناس، ولا يلتفت الناس إليه، وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان "، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: " الذي لَا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا " (١).

وقد اتقق الفقهاء على أنهما يعطيان من الصدقات، وإن كنت أرى أن المسكين أسوأ حالا من الفقير، فإن لم يكف ما يعطى لهما معا، فإن المسكين يكون أولى بالعطاء.

ثم قال تعالى في الصنف الثالث، وهم العاملون عليها، أي الذين يجمعونها من أرباب الأموال كما عين النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاة لجمع الصدقات، كما عين الأمراء من بعده، وقرر الفقهاء أن أولئك يأخذون ولو كانوا ذوي مال، وقرر الحنفية والمالكية أن ما يأخذونه أجرة، ويكون قدرها بمقدار ما يراه ولي الأمر عليهم، على أنه أجرة عمل تكون متناسبة مع الأجرة في مثل هذا العمل.


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>