للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ) إخبار عن المنافقين بأنهم يحذرون أن تنزل عليهم سورة، والحذر يكون دائما من شأن من يستر شيئا؛ لأنه يخشى أن يكشف، وإذا كشف ضاع الغرض الذي ستره من أجله، والسورة الجزء من القرآن المفصول عن غيره كأنه سوِّر بسور يحدُّه، والتنزيل من الله تعالى على نبيه الكريم، فلا تنزل على المنافقين، إنما تنزل على قلب محمد الأمين، فكيف تنزل عليهم، ولكن المراد أنها تنزل في شأنهم، وكانت التعدية بـ (على) للإشارة إلى أنها تنزل عليهم كالصاعقة يفاجئون بها، وعلى ذلك يكون الضمير في (عَلَيْهمْ) يعود إلى المنافقين، وكذلك الضمير في (تُنبِّئُهم)، وقوله تعالى: (بِمَا فِي قلُوبِهِمْ) ويصح أن يكون قوله تعالى: (يَحْذَر الْمُنَافِقون) في معنى الأمر، وكثيرا ما تجيء الصيغة الخبرية بمعنى الأمر، كما في قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ. . .)، وكما في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قًرُوء. . .)، فإن الخبر في كل هذه الصيغ يدل على الطلب.

ولكن تخريجها بمعنى الخبر أولى؛ لأنه يناسبه قوله تعالى في الآية (إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ).

والزمخشري يرى أن الضمير في (عَلَيْهِمْ)، و (تنَبِّئُهُم) يعود على المؤمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن الشأن في النزول القرآني أن ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن معه من المؤمنين، وأما الضمير في قوله تعالى: (بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) فإنه يعود على المنافقين؛ لأنهم الذين يخفون ما لَا يبدون، فالأنسب أن يعود إليهم، والقرائن تعين عودة الضمائر على هذا النحو.

كان المنافقون يستهزئون في مجالسهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين وبالجهاد، حتى أنهم كانوا في غزوة تبوك التي كانت ذاهبة إلى الشام يتهكمون على المؤمنين، ويستهزئون بهم، ولا يكتفون بالقعود عنهم، ولقد روي أنهم كانوا يقولون مستهزئين: انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات. وكانوا يريدون ألا يطلع على ذلك أحد من المؤمنين، ولذا قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>