للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأكثرون على أن الضمير الفاعل في قوله تعالى: (فَأعْقَبَهُمْ) يعود على الله؛ لأنه في النفس دائما، ولأنه صاحب العهد الذي عاهدوه على الوفاء به، ومعنى إعقابه سبحانه وتعالى النفاق لهم أنه سبحانه وتعالى وقد ساروا في طريق الغي والضلال أمدهم بما يزيدهم عتوا ونفاقا، وطغيانا، فامدهم في طغيانهم، وهم الذين ابتدءوه.

(إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) سبحانه وتعالى، وعندئذ يكون العذاب الذي أنكروه بعد الحساب بعد أن ترى كل نفس ما فعلت، وبعد أن يأخذوا كتابهم بشمالهم.

وقد بين سبحانه ما غذى نفاقهم، وزاده فقال تعالى: (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهُ مَا وَعَدوهُ) أي أخلفوا الوعد الذي وعدوه لله تعالى، وجعل الإخلاف لله ابتداء لبيان جرمهم فيما فعلوا، إذ إنهم أخلفوا الله تعالى خالقهم وبارئهم ومالك أمرهم، وأى نكر أشد من ذلك، وقوله تعالى: (مَا وَعَدُوهُ) كأنه في مقام البيان لما أخلفوا به رب البرية، فأي أمر تنكره العقول أبلغ من ذلك! وأي نفاق أجرأ وأمكن من ذلك!، أي أنهم زادوا نفاقا إلى نفاقهم بسبب إخلافهم الله ما وعدوه، وبسبب كذبهم على الله سبحانه وتعالى، ولذا قال تعالى: (وَبِمَا كانوا يَكْذِبونَ).

أي وبسبب استمرارهم على الكذب، لأن (كان) تدل على الاستمرار، والتعبير بالمضارع (يَكْذِبُونَ) يدل على تجدد كذبهم آنًا بعد آنٍ، فحديثهم كذب مستمر متجدد، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى الفسوق، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا، وإذا وصل الإنسان إلى هذا الحد صار منافقا، وإن كان منافقا ازداد نفاقا على نفاقه.

وإنهم يعاهدون ويخلفون، ويكذبون حاسبين أن الله تعالى لَا يحصى ما يفعلون، ويدبرون ويعاهدون، والله عليم بهم، ويحسبون أنهم يخدعون الله، والله خادعهم، ولذا قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>