للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتبرع عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أجننت أنت! قال: ليس بي جنون، هو مالي ثمانية آلاف درهم، أقرضت الله منها أربعة آلاف، وجعلت لعيالي أربعة آلاف، فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن المنافقين قالوا: ما تصدق إلا رياء.

وجاء رجل بصاعين من بر تبرع بصاع وأبقى لنفسه صاعا، فسخروا منه وقالوا: الله غني عن صدقته، وهكذا كانوا يلمزون من يتصدق بالكثير، ومن يتصدق بالقليل، وذلك شأن المنافقين دائما يصغرون عمل غيرهم قليلا أو كثيرا ولا يعملون، قبحهم الله تعالى.

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) الجهد: الطاقة أي الذين لا يجدون ما يتصدقون إلا بقدر طاقتهم المحدودة، والجهد بفتح الجيم، وضمها: الطاقة، وفيها القراءتان (١).

وظاهر القول أن (الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ) معطوفة على (الْمطَّوِّعِينَ)، ويكون المعنى أنهم يلمزون الذين ينفقون عن يسار، وهذا هو المعطوف عليه، والمعطوف بعد ذلك (الذين لَا يجدون إلا طاقتهم)، فيسخرون من الفريقين، يتهكمون على أهل اليسار برميهم أنهم يراءون، وهكذا يرمون بدائهم، فالمراءون هم المنافقون في كل الأحوال، وخطر لي أن أقول: إن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ)، فكأنهم يعيبون المتطوعين عن سعة، ويسخرون من الذين لا يجدون إلا مقدار طاقتهم وهي محدودة، و (الفاء) هنا لأن الموصول في معنى الشرط، والمعنى إن كان الذين لَا يجدون يسخرون منهم.

ويقول سبحانه وتعالى: (سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ)، أي أنهم يعاملون معاملة من يسخر منهم، أو أن ذلك دعاء عليهم بأن يكونوا موضع السخرية والاستهزاء عندما يكشف أمرهم، وتعرف حالهم.


(١) (جهدهم) بفتح الجيم، ليست في العشر المتواتر).

<<  <  ج: ص:  >  >>