للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النفي المؤكد هو تقرير للواقع، فهم لَا يقاتلون أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هم يوالونهم، ولا يعدونهم أعداء.

وإن الله تعالى العليم الخبير أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأمرهم، ولكن أمر نبيه بأن يأخذ من ماضيهم دليلا على حاضرهم فكان أمر بقوله لهم: (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أكد سبحانه وتعالى رضاهم بالقعود أول مرة بـ (أن)، وخاطبهم بهذا القول، وقالوا: إنما أول مرة، هي عندما دعاهم للقتال وتثاقلوا، ونقول: ليست هذه أول مرة، بل كانت أول مرة هو رجوعهم في غزوة أحد، وتثبيطهم للمؤمنين حتى همت طائفتان أن تفشلا، كما تلونا.

وإنهم إن خرجوا لَا يخرجون للجهاد والقتال، بل يخرجون للغنيمة كما قال تعالى: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥).

ويقول الله تعالى آمرًا نبيه بذلك القول: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) (الفاء) للسببية، والأمر هنا للتهكم عليهم والنذير بهم، و (المخالف) اسم فاعل من خلف، أي كان وراء المجاهدين متخلفا عنهم مع القاعدين من النساء والضعفاء الذين لا قدرة لهم على قتال، وقيل إن معنى المخالفين الفاسدين في ذات أنفسهم وضمائرهم، ولقد قال ذلك القرطبي في كتابه أحكام القرآن، فقد قال: (قيل المعنى فاقعدوا مع الفاسدين، من قولهم فلان خالف أهل بيته إذا كان فاسدًا فيهم من خلوف فم الصائم، ومن قولك خلف اللين إذا فسد) وهذا يدل على أن استصحاب المخذل في الحرب لَا يجوز، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>