للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨)

الاستدراك هنا للانتقال ممن ارتضوا المنزل الهون إلى الذين لم يريدوا إلا العزة والكرامة والرفعة، ومن امتلأت قلوبهم بحب الله تعالى، فآثروه على كل الوجود، ورضوا بالمشقة وإن اشتدت؛ مرضاة له سبحانه وتعالى، فالاستدراك لبيان الرفعة التي وصل إليها المؤمنون في مقابل الذلة التي ارتضاها الآخرون، كقوله تعالى: (. . . فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكلْنَا بِهَا قَوْمَا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، وكقوله تعالى: (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأمُونَ) والمعنى فإن استرخى هؤلاء عن الجهاد، ورضوا بالقعود مع الضعفاء والنساء فالرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وقوله:

(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ. . .) التعبير بالرسول في هذا المقام للإشارة إلى أن مقام الرسول يوجب الجهاد؛ لأنه تبليغ للدعوة، وحماية لها، ودفع للذين يعاندونها، وذكر بجوار مقام الرسالة من معه، أي من آمنوا، وصاروا معه في جهاده الذي حمل عبئه بحمله عبء الرسالة، والرسول وما عطف عليه مبتدأ خبره ما جاء بعد ذلك، وهو قوله تعالى: (جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) أي قدموا النفس والنفيس، وقدم سبحانه وتعالى الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، مع أن النفس أغلى وأعز، والجود بها أقصى غاية الجود، قدم المال مع ذلك؛ لأن الإنفاق في سبيل الله هو عدة الجهاد ابتداء، وامتشاق السيوف هو نهايتها، ولأن ذلك يشير إلى أنهم باعوا أنفسهم لله تعالى واطرحوا الدنيا اطراحا، فالمال يطلب لغايات الدنيا، وقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم فلا حياة لهم إلا مع الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>