للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستطيعون الإنفاق ويجدون ما يركبون ويقطعون به الفيافي والقفار، وكلمة (السبيل) في البيان القرآني تطلق على الطريق للمؤاخذة، ثم العقاب من بعدها كما تقدم في قوله تعالى: (مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِن سبِيل) وأن مؤدى هذا التعبير بيان أن ما يرتكبون سينتهي بهم لَا محالة إلى عقاب شديد.

والقصر هنا إضافي؛ لأنه في مقابل أنه لَا سبيل على الضعفاء، الذين سبق بيانهم، فالسبيل خاص بالذين يستأذنون وهم أغنياء.

وقوله تعالى: (رَضُوا بِأن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ) هذه جملة مستأنفة لبيان سبب تخلفهم، وهو رضاهم بالمهانة والمذلة والاحتقار، إذ رضوا بأن يكونوا من الخوالف، وهن القواعد من النساء اللاتي لَا يقاتلن، اللائي يعبر عنهن بربات الخدور، والخوالف أيضا الأشياء الفاسدة التي ترسب في الإناء بعد تفريغه.

وقد ذكر سبحانه وتعالى السبب في هذا الرضا الذي لَا يرضى به عربي سليم في إدراكه لمعنى المروءة والكرامة، فقال تعالى: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) أي أنه بتوالي نفاقهم، وسيطرة الأحقاد على قلوبهم، ونسيانهم ما توجبه المروءة والأخلاق والكرامة والعزة، قد طبع الله تعالى على قلوبهم، وختمها على ما فيها من مفاسد نفسية وفكرية، فهم لَا يعلمون الخير من الشر وما تكون عاقبته وبالاً وما لَا تكون، لَا يعرفون أنه إذا نزلت نازلة الهزيمة أمام الرومان تكون على العرب وفيهم المنافقون، لَا فاصل بين البريء والسقيم.

وإن دأب هؤلاء الذين يعتذرون عن مواقف الشدة بغير عذر أو بعذر كاذب أن يحسبوا أن كل كلام يقبل، سواء أكان مقبولا أم كان غير مقبول، فكانوا يفعلون ما يفعلون، ويحسبون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل معاذيرهم الكاذبة، وإن فساد قلوبهم وعقولهم يجعلهم يتصورون أن طيِّب القلب يقبل كل ما يُدلون به، ولذلك أكثروا من الاعتذار عما يفعلون، كما يكثرون من الاعتذار عن النفور إلى الجهاد،

<<  <  ج: ص:  >  >>