للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا الكلام السامي يفيد أمورا ثلاثة: أولها - أنه لَا يصح أن تشغلوا أنفسكم بما استدبرتم من أمور، بل اشغلوها بما تستقبلون من أموركم، وثانيها - التهديد بأن الله تعالى ورسوله يعلمان أموركم في المستقبل علما مؤكدا لَا مناص من أن تتخلصوا من تبعاته، وإن الله تعالى سيحبط أعمالكم، وثالثها - رجاء أن يدخل الخير قلوبكم، فتتوبوا عما أنتم عليه، ويصلح بالكم، فلا تعتذروا عن التخلف كاذبين.

وينذرهم الله سبحانه وتعالى الإنذار الشديد فيقول سبحانه: (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) (ثم) للترتيب والتراخي، والتراخي هنا في موضعه، لأن فيه الانتقال من الدار الفانية إلى الدار الباقية، فيه الانتقال من دار العمل إلى دار الجزاء، وقوله تعالى: (تُرَدُّونَ) تفيد أمرين: أحدهما - أنهم يذهبون إلى هذه الدار غير مختارين، بل يردون إليها مدفوعين، ثانيهما - في التعبير بلفظ ما يفيد معنى الرجوع إليها بعد هذه الحياة، وكأنهم في الدنيا في سفر يعود بعدها المسافر إلى حيث إقامته وموطنه، فالإنسان ما خلق عبثا، إنما خلق لأجل البقاء في الآخرة، فهي وطنه الأصلي إما نعيما مقيما، وإما عذابا أليما.

والمرد في الآخرة إلى الله تعالى حيث يلقاه العباد ويلقاهم بأعمالهم التي لا تخفى عليه منها خافية، فلا نفاق ولا كذب ولا مراءاة، ولذا قال تعالى: (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) الغيب هو المغيب أو المستور، وعالم الشهادة هو العالم الظاهر، فهو يعلم السر والجهر ويعلم الحاضر والغائب، يعلم ما كان وما يكون. (فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كنتُمْ تَعْمَلُونَ) و (الفاء) للترتيب والتعقيب، إذ إن الإنباء يكون عقب الرجوع إلى الله تعالى، وذلك دليل على تأكد وقوع ما وعد به وتحققه وأنه لَا مفر من قيام القيامة، ونزول ما وعد الله تعالى به.

والإنباء في هذا الحال، ليس بالأقوال، ولكن بالرؤية والأفعال فهو مجاز، يرون أعمالهم، تنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يفعلون، وتشهد عليهم ألسنتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>