للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الثاني: أنه عندما قويت دولة الإيمان عليهم، وهزموا هزيمة منكرة، رضوا بالصلاة دون الزكاة لأنهم اتخذوها مغرما، ولم يتخذوها قربات عند الله وتعاونا بين المؤمنين، وهو تعاون على البر والتقوى، ولذا لم يقبل خليفة رسول الله إلا الإسلام الكامل، والطاعة، وقالها مؤمنًا: إما حرب مجلية، وإما سلم مخزية.

ولقد تربص أولئك الأعراب الدوائر بالمؤمنين فانتهزوا فرصة وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتدوا فدارت عليهم دائرة السوء.

وإن ذلك كله دلائل على أن القرآن من عند الله تعالى العزيز الحكيم.

الأعراب هم سكان البوادي في خلقهم جفوة، وفي طبائعهم خشونة، وفيهم نفرة لَا يأنسون بالناس ولا يانس بهم الناس، وإن كان فيهم يقظة وسرعة حركة ونجدة، وهم لذلك أقل الناس علما وفكرا، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: " من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السطان افتتن ".

ولقد قال ابن كثير في تفسيره: ولما كانت الغلظة في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا، وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى. . .)، والقرى: المدن العظيمة، وخير القرى ما يكون قريبا من البادية أو في وسطها كمكة والمدينة. . . فهي تجمع بين قوة نفس البدوي وأنس الحضري، وكذلك كان يبعث النبيون فموسى بعث بمدين، وعيسى بعث على مقربة من البادية، ومحمد بعث بمكة عليهم الصلاة والسلام، وقد وصف الله تعالى الأعراب بثلاثة أوصاف: أولها: أنهم أشد كفرا، وثانيها: أنهم أشد نفاقا، وأفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأنه لم يذكر الفضل عليه، وحيث لم يذكر الفضل عليه يكون المعنى أنه كفر بلغ أقصاه

<<  <  ج: ص:  >  >>