للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّه تعالى واللَّه لَا يخلف الميعاد؛ وبسبب أنهم (لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) عطش شديد كذلك الذي اعتراهم في تبوك حتى كادت أعناقهم تتقطع من العطش، لولا أن النبي استسقى السماء لهم فأغدقت. (وَلا مَخْمَصَةٌ) أي جوع شديد، كالذي أصابهم في هذه الغزوة، التي فتحت الباب للشام، إذ أصابهم جوع شديد حتى إنهم كانوا يتقاسمون التمرة، (وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفارَ) أي لَا ينزلون أرضا تدخل في حماية الكفار، يكون وطؤها فيه غيظ لهم، إذا انتهكوا حمى أرضهم، ولم يستطيعوا حمايتها من جيش الحق والإيمان، وذلك فيه عنت شديد لهم وإهدار لحرمات أرضهم، وفي ذلك إذلال لهم بعد أن كانوا لَا يمس أحدهم حماهم الذي يحمون (وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا)، بأن يحاربوا فيهزموهم.

أي أن ظمأهم الشديد، وجوعهم الذي صبروا عليه، ووطأهم أرض العدو الكافر التي كانت لَا ترام، ونيلهم من بني الأصفر الذين يتحكمون، ولا مسيطر عليهم أو محاسب، ما من أمر يقوم به أهل الإيمان إلا كتب اللَّه تعالى لهم به عملا صالحا عند الله، ينال أهل الإيمان به رضاه أولا - واعتزازهم بالحق ثانيا، وجنة النعيم ثالثا، ولذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، أي أن ذلك الجزاء العظيم أجر للعمل الصالح، وسماه سبحانه أجرا تكرما منه وتفضلا، وإلا فلا أجر إلا بفضله لأنه المنعم، والعبد ملك لسيده، وسمي الذين يقومون بحق الجهاد محسنين؛ لأنهم قاموا بما وجب عليهم، وأحسنوا الطاعة، وأبلوا فاحسنوا البلاء.

هذا نوع الجهاد بأنفسهم، إذ تركوا الراحة ومتعتها، وأثروا البلاء فأخذهم الظمأ، والجوع، ووطئوا أرض العدو ونالوا منه نيلا.

وهناك نوع الجهاد بالمال، وقطع الفيافي والقفار، وما يكون فيه من جهد بالمال، والنفس، وقد قال سبحانه فيه:

(وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>