للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما تمسك ابن جرير، بل فسر التخريب بمعنى خلوها من العبادة الحق، وإن ذلك هو الأقرب إلى الدلالة اللفظية؛ لأن الله تعالى لم يقل تخريبها أو تتبيرها كما عبر عن اليهود إذا دخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، حيث قال: (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبيرًا)، وإنما عبر في هذا المقام فقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللًّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) أي أنهم بهذا المنع من ذكر الله تعالى سعوا في خرابها. وأي خراب لبيت من بيوت العبادة المخصصة لها ولذكر الله أعظم من منع هذا الذكر؟

ولذلك اختار ابن كثير أن يكون الذي منع ذكر الله تعالى فيه هو البيت

الحرام، إذ منعوا المؤمنين من دخوله، وقد قال تعالى في ذلك: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥).

فالخراب هو خلوها من العبادة. والبيت المسكون يكون خرابا إذا خلا من السكان، ويقول الحافظ: ليس المراد بالعمارة زخرفها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر الله تعالى فيها، وإقامة شرعه. وإن هذا الكلام ينتهي لَا محالة إلى أن الكلام في المنع من مساجد الله تعالى المنع فيه كان منِ مسجد معين هو البيت الحرام، فلماذا عبر إذن بقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَع مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يذْكرَ فِيهَا اسْمُهُ) فلماذا ذكر المساجد بدل المسجد؟ ونقول في ذلك: إن المنع كان في مسجد، وهو سبب النزول والاستنكار والظلم فيه شديد، ولكن الظلم يكون أيضا في المنع من غيره، فالسبب إذا كان واحدًا، قد يكون الحكم أوسع شمولا، ويكون الظلم في منع أي مسجد، ولأن التعبير بالجمع يدل على أن المنع ظلم لما يكون من جنس المساجد كلها، ولا يختص بواحد من بينها.

ولقد قرر الله تعالى لهم عقوبة الدنيا، بأن ينزل الله على هذا المانع الظالم عقابا دنيويا صارما، وهو أنهم لَا يدخلونها، لأن من سكن مكانا اعتدى فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>