للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيشمل فساد النفوس في الاعتقاد والعمل كقوله تعالى (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) وذكر الأرض يؤكد أن هذا البغي فساد يعم الأرض ويشمل كل ما فيها من اعتداء على الآحاد واقتراف المعاصي والسعي بين الناس وارتكاب كل ما يكون من تخريب وهدم للقائم.

وفى قوله تعالى: (بِغَيْرِ الْحَقِّ) بيان أنهم لم يكن لهم مبرر فيما يعملون أيا كان هذا الذي يزعمونه مبررا، وإظهار لحقيقة البغي وأنه لَا يمكن أن يكون له مسوغ، وعلينا هنا أن نفرق بين القصاص والبغي، فلا يصح القول بأن ما صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بني النضير وقريظة بغيا، إنما هو قصاص لشرهم ولا يكون القصاص بغيا لكنه رد لاعتدائهم المنكر، ولا يصح أن يقال عن رد الاعتداء المتكرر والخيانة بغيا، إنما هو العدالة الحقيقية في هذه الأرض (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) اتجه سبحانه وتعالى إلى مخاطبة الباغين فكان الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للتنبيه الشديد بالمواجهة والتصدي لبيان شرهم، وكان النداء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) لكمال هذا التنبيه الزاجر وللرح ولبيان سوء العاقبة (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم) أي أن البغي على أنفسكم وحدكم لَا يتجاوزكم إلى غيركم، ذلكم أنكم إن أشعتم البغي فيما بينكم عمَّ الفساد فيكم ولم تكن منكم جماعة فاضلة ذات حقوق وواجبات بل جماعة متحللة متقاطعة متدابرة تعمها الرذيلة ويسودها الشر يتجرد فيها الإنسان عن إنسانيته والمرء عن مروءته وفوق ذلك عقوبة يوم الدين.

(بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم) مبتدأ وخبر، وفي قوله تعالى (مَّتَاعَ الْحَيَاةِ) إن البغي تتمتعون به متاع الحياة الدنيا، هذا بالنَّصْب على قراءة حفص، وفي قراءة الرفع يكون المعنى أن البغي هو متاع الحياة الدنيا (١).


(١) (متاع بالنصب: حفص، وقرأ الباقون برفع العين. غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار: ج ٢/ ٥١٥. التوعية الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>