للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا في الدنيا إذ حسبوا أنه لَا رقيب عليهم ولا دافع يدفعهم وهم مسلطون، فيبين الله تعالى أنه قاهر فوقهم. أما في الآخرة فقال اللَّه تعالى عن حالهم فيها (يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ) أي يكرر العذاب عليهم فيكون ضعفين أو أضعافا؛ لأنهم أشركوا باللَّه عبادة الأوثان، ولأنهم آذوا المؤمنين وحاولوا صدهم عن سبيل اللَّه، ولأنهم طغوا وبغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، ولأنهم ظلموا الناس وفتنوهم في دينهم.

وما بعثهم على تلك الآثام التي ضاعفت لهم العذاب إلا أنهم لم يستمعوا إلى الحق ولم يبصروا الآيات، ولذا قال تعالى: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) ذكر اللَّه تعالى في هذا النص الكريم السبب في هذه المآثم فذكر أنه أمران:

الأمر الأول: أنهم لَا يستطيعون السمع، وليس المراد أنهم صُمٌّ حقيقة، بل شبهت حالهم بحال الأصم الذي لَا يستطيع السمع؛ ذلك لأنهم لَا يتدبرون ما يسمعون من دعوة إلى الحق وآيات تتلى فيها الإعجاز فكانوا كأنهم لايسمعون، وقد ذكرهم اللَّه في مواضع أخرى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩).

الأمر الثاني: قوله تعالى: (وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) أي ينظرون نظرة تأمل للكون ويدركون أسراره، والجمع بين الماضي والمستقبل في قوله تعالى: (وَمَا كَانُوا يُبصِرُونَ) للدلالة على استمرار غفلتهم عن الآيات وتجددها وقتا بعد آخر، فكلمة " كان " تدل على الماضي وكلمة (يُبصِرُونَ) تدل على المستقبل، كذلك قوله تعالى: (مَا كَانوا يَسْتَطِيعُون السَّمْعَ) واللَّه أعلم بمراده في كتابه.

ولقد حكم سبحانه بعد ذكر عذابهم في الدنيا والآخره فقال تعالى:

(أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>