للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإشراك غيره معه، ففي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك (١)، وفي صحيح مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سمعهم قالوا لبيك اللهم لبيك، قال عليه الصلاة والسلام: " قَد قَد "، أي حسب حسب لَا يزيدون على هذا (٢).

وإنهم كانوا في الشدة لَا يستغيتون إلا باللَّه لعلمهم بأنه وحده الخالق المغيث، ولكنهم يشركون به غيره في العبادة، ولقد كانوا بهذا أقرب إلى التوحيد من غيرهم، فليس على الداعي إلى الوحدانية إلا بطلان عبادتهم للأوثان وقولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى، فاللَّه قريب من عباده (. . . ادْعُونِي أَسْتَجِب لَكمْ. . .)، وما لهم عنده من شفعاء.

هذا على منطق أن الناس المراد بهم عرب الجاهلية، وعلى الفرض الثاني والثالث يكون المعنى أن أكثر الناس تعتريهم حال إشراك مهما أخلصوا التوحيد للَّه تعالى، فالأوهام تسيطر على الناس وقد تأدت بالوثنيين إلى عبادة الأوثان، ولكنها بالنسبة لمن جاء بعدهم تأدت بهم إلى أوهام حول الأشخاص، لم يعبدوهم ولكن اعتقدوا فيهم قوى خفية، وإن آمنوا بأنهم مخلوقات، وأنهم بشر.

وإن أظهر ما يكون ذلك في الرُّقي، روي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه خبر روته امرأته زينب قالت: كان عبد اللَّه إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح كراهة أن يهجم على أمر يكرهه، وإنه جاء ذات يوم، فتنحنح، وعندي عجوز ترقيني، فأدخلتها تحت السرير، فدخل فجلس إلى جانبي، فرأى في عنقي خيطا، فقال: ما هذا الخيط؟، قلت: خيط رُقِي لي فيه، فقال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى اللَّه تعالى عليه وسلم قال: " الرقى والتمائم شرك " (٣).


(١) رواه مسلم: الحج - التلبية وصنهتها ووقتها (٢٠٣٢).
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر ما رواه أحمد: مسند المكثرين من الصحابة - مسند عبد اللَّه بن مسعود (٣٤٣٣)، وبنحوه ابن ماجه: الطب - تعليق التمائم (٣٥٢١)، وأبو داود: الطب - في تعليق التمائم (٣٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>