للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشاء، وعنده أم الكتاب الأصل الذي لَا يمحى، ولا يقبل المحو، وهو التوحيد، فشرائع النبيين ينسخ بعضها بعضا، ولكن الأصل قائم، وهو أم الكتاب، أي الشرع المكتوب المقرر في كل الشرائع، وهو التوحيد، كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. . .). وإن هذا يتسق مع قوله تعالى: (وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ).

ولقد قال الزمخشري في هذا المعنى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)، ينسخ ما يستصوب نسخه، ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته أو يتركه غير منسوخ، ويسوق أقوالا أُخر.

وإنا نرى أن هذين الوجهين كافيان في البيان، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون المحو، بإلغاء آيات مادية، والإثبات إثبات أخرى، وإن تكون الشرائع السماوية التي جاءت بها الرسل، ينسخ بعضها بعضا، ولكن يبقى الأصل القائم وهو أم الكتاب، وهو التوحيد، والعدل، وإقامة الحق، والإصلاح في الأرض.

وقد قال الفخر الرازي في التفسير الكبير ما نصه:

" العرب تسمى كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أُمًّا له، ومنه أم الرأس للدماغ، وأم القرى لمكة، وكل مدينة فهي أم لما حولها من القرى فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلا لجميع الكتب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>