للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣)

ذكر سبحانه بعض مكر المشركين وغيرهم التي يقصدون بها تحويل المؤمنين وفتنتهم عن دينهم، فذكروا أنهم يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (لَسْتَ مُرْسَلًا)، فهم يسلمون بأن لله رسالة، ولكن لست من أصحابها، فالله لم يرسلك، وهم بهذا ينكرون رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وينكرون أن يكون له معجزة دالة على هذه الرسالة، ويريدون آيات أخرى غير القرآن، إذ لَا يعدون القرآن آية، وما كان للنبي أن يأخذ كلامهم أخذ من يعتبره، وقد قام الدليل عليه بالتحدي، وإدراك أهل الذكر منهم ما فيه من نسق، ووثيق نظم، ولذا أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، أي كفا الله شهيدا بيني وبينكم، فهو الحق وشهادته الحق، وليست شهادته كلاما يردد، ولكن شهادته معجزة تفحم، وقد جاءت الخوارق تترى بشهادة الحق في كل ما ترون من حياته، وما أحاط بها، وما دبرتم وقد رد تدبيركم في نحوركم، وقوله تعالى: (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فيه تهديد لهم بما يكون لإنكارهم من عواقب وخيمة عليهم تنصر أهل الحق.

ويصح أن تقول: (شَهِيدًا) معناه حاكم، لأن الشهادة تجيء بمعنى الحكم، كما في قوله تعالى: (. . . وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا. . .)، والمعنى وكفى بالله حاكما بيني وبينكم، ويرشح لهذا المعنى عبارة بيني وبينكم، فالحكم هو الذي يكون بين اثنين، وأما الشهادة فتكون لأحد الفريقين على الآخر. وقوله تعالى: (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) الكتاب إما أن يراد جنس الكتاب، ومن عنده علم الكتاب هو العالم بالكتب السماوية قبل تحريفها، فإنها تشهد بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتحكم بأنه رسول، هذا التبشير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>