للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى في الجملة: قد أتاكم الخبر الخطير الشأن قوم نوح إلى آخره، (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) ومن هم الذين من بعد هؤلاء، ولا يعلم مآلهم إلا اللَّه تعالى.

أحسب أن المراد بهم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين كفروا برسالته، ويعاندون فيها، ويؤذون المؤمنين، ويسفهون قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويصرون على عبادة الأوثان.

ويكون قوله تعالى: (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) تهديد لهم، وحمل لهم على المقايسة بينهم وبين غيرهم، فإذا كان نبأ الغابرين هلاكهم، فليقيسوا حالهم على حال أولئك الغابرين.

وقد حكى سبحانه ما كان بين الرسل السابقين وأقوامهم، فقال عز من وإ؛ ل: (جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ)، أي بالأدلة المبينة الهادية المرشدة التي لَا يدخلها امتراء فلم يجيبوا. وعبر اللَّه سبحانه وتعالى عن امتناعهم عن الإيمان بقوله تعالى: (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) كانت حالهم تجيب بأن ردوا أيديهم في أفواههم وقالوا. . . .

وقد تكلم الزمخشري في قوله تعالى: (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) فذكر عدة احتمالات مجازية لمعنى هذا التعبير القرآني الكريم ولم يعين واحدا، فقال: (فَرَدُّوا أَيْديَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) يعضوها غيظا وضجرا مما جاء به الرسل، كقوله تعالى: (. . . عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ. . .)، أو ضحكا واستهزاء، كمن غلب عليه الضحك فوضع يده على فيه، أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم من قولهم: (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ) وهذا قول قوي، أو وضعوها على أفواههم يقولون للأنبياء أطبقوا أفواهكم وأسكتوا، أو ردوها في أفواه الأنبياء يشيرون لهم إلى السكوت يسكتونهم ولا يذرونهم يتكلمون، وقيل: الأيدي جمع يد، وهي النعمة بمعنى الأيادي أي ردوا نعم الأنبياء التي هي أجل النعم من مواعظهم ونصائحهم وما أوحي إليهم من الشرائع والآيات في أفواههم؛ لأنهم إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>