للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قال تعالى: (. . . مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكينَ)، فمن تبعه في ملته فإنه منه، ومفهوم هذا أن من لم يتبعه في التوحيد، وعبد الأوثان فليس منه؛ لأن اشتراط كونه موحدا ليكون منه، فيه بيان لئن لم يتبعه لا يكون منه، بل هو بريء منه، كما تبرأ من أبيه، وكما تبرأ من قومه إذ قال: (. . . إِنِّي بَرِيءٌ ممَّا تُشرِكُونَ)، ثم قال - عليه السلام - في دعائه: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رحِيمٌ) وصف اللَّه تعالى خليله بقوله: (. . . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، وإن حلمه وعطفه وشفقته لتبدو في قوله: (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فهو - عليه السلام - لم يحكم بالعذاب على من عصاه، بل ترك أمره للَّه تعالى، كما قال عيسى - عليه السلام - مثل ذلك فقال: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز الْحَكِيمُ)، وليس معنى النص أنه يطلب الغفران لمن أشرك باللَّه، فمحال أن يطلب عدو الأصنام الأول غفرانا لعبدة الأوثان، إنما الذي يفهم من مضمون العبارة السامية أنه يرجو الرحمة لمن عصاه ابتداء ألا يستمر على عصيانه فهو يرجو التوبة ولا يقدر البقاء على الشرك حتى يكون العذاب الأليم.

وهنا إشارة بيانية حكيمة، فيقول خليل اللَّه - عليه السلام - في دعوته: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ) تعبر عن ترك عبادة الأوثان (وَاجْنُبْنِي)، أي اجعلني في جانب وبني في جانب فهي تتضمن المباعدة، وكان حقا على ذرية إبراهيم التي عبدت الأوثان أن تباعد بينها وبينها.

بعد أن دعا أبو العرب الشفيق لهم بتطهير نفوسهم، وأن يكونوا للَّه تعالى، دعا لهم بالرزق فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>