للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مُهْطِعِينَ ... (٤٣)

ومعناها مسرعين فإنهم كانوا في الدنيا يسيرون متئدين مالكي أنفسهم مسيطرين على قواهم، وكما قال في آية أخرى في وصف حالهم يوم القيامة: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)، والإهطاع إسراع في ذل وتكسر وخوف وهلع، فبعد أن كانوا يسيرون في الأرض مرحا كأنهم يخرقون الأرض أو يبلغون السماء طولا يسيرون مسرعين أذلاء خالفين لأول داع، خائفين من أن يكون وراء الدعوة أمر أشد هولا.

والحال الثالثة: عبر عنها سبحانه وتعالى بقوله: (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) من أقنع رأسه، وتستعمل بمعنى رفعها متطلعا إلى من فوقها من شدة الهلع، وقد قال في معناها الأصفهاني في مفرداته: أقنع رأسه رفعها قال: (مُقْنِعِي رُءوسِهِمْ)، وقال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع، وهو ما يغطى به الرأس، فقَنِع لبس القناع ساترا لفقره، كقولهم حفى أي لبس الحفاء، وقَنَع إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسؤال كخفي إذا رفع الخفاء.

وخلاصة هذه المعاني أنهم يكشفون ذلهم وحاجتهم رافعين رءوسهم بالذل والهوان، لَا يستتر من أمرهم شيء، فلا يبدون ما يخفون، ويظهرون ما لا يسرون.

وذكر الزمخشري أن بعض علماء اللغة يفسر (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) يخفضها ذلا وانكسارا، ورءوسهم ارتفعت، أو انخفاضها، فهو ذل ظاهر واضح، وصار كالسائل الذي كشف قناعه للمسألة.

والحال الرابعة من أحوالهم: أن أبصارهم زائغة لَا تتحرك أطرافها من هول ما هم فيه وهذه عبر اللَّه عنها بقوله تعالى: (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ)، والمعنى أن أنظارهم قد استغرقتها الأهوال التي تراها فهي فزعة هلعة قد سمرت أعينهم فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>