للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن ظاهر اللفظ يدل على أنهم سيقولون مع ما قالوا، وإن ذلك إخبار من الله تعالى، وخبر الله تعالى لَا يقبل التخلف، ولم يثبت أنهم قالوا ذلك من قبل نزول الآيات، إذ إن نزول الآيات اقترن بالتحويل، أو بعده بقليل وإن لم يكن التحويل به بل كان بوحى من الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، وما كان الله تعالى ليقرئه القرآن وهو يصلي، فإنه عند القراءة كان يقرئه تعالى فقد قال تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩).

وإنا لنستبعد أن يكون إنزال القرآن وإقراؤه وترتيله وهو في الصلاة يصلي، والله على كل شيء قدير.

والسفيه هو: الخفيف العقل، وذلك مأخوذ من قولهم: ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج، وقد يكون السفه نوعيا، فقد يكون متزن العقل حكيما، ويكون في أمور أخرى سفيها، كبعض العرب الذين كان فيهم عقل، ولكن الإدراك الديني فيه سفه، وكبعض أهل الكتاب، فإنهم كانوا في أمور الدين سفهاء، إذا تكلموا سفهوا أنفسهم.

ومن هم السفهاء الذين تكلموا في القبلة متعجبين من تحويلها؛ قال بعضهم: المشركون، فقد توهموا أنه عندما حولت القبلة إلى مكة أن محمدا سيرجع إلى دينهم، وقالوا: لقد اشتاق محمد إلى مولده، وعن قريب يرجع إلى دينكم، وقال اليهود: لقد التبس عليه أمره، وتحير، واستهزأ المنافقون بالمسلمين، وهم جميعا تساءلوا: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا).

الاستفهام هنا للتعجب الساخر المتهكم المستهزئ - لعنهم الله تعالى - وهم جديرون بهذا بوصف السفه، فليست الحقائق الدينية موضع تهكم إلا ممن سفه نفسه، وكان جهولا، ومعنى وَلَّاهُمْ أي جعلهم يعدلون صارفين النظر عن القبلة التي كانوا عليها، وهي بيت المقدس، فالتولية معناها العدول أو الانصراف أو الإعراض، وإن هذا السؤال يدل على جهلهم وعتوهم في الفساد؛ لأنهم نسوا أنهم يعترضون على الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>