للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يلقاهم بقلب مفتوح ليفتحوا قلوبهم للاستجابة، أو ليفتح هو هذه القلوب التي أصابتها غشاوة.

وفى هذا إشارة إلى معنى جليل في الداعي، وخصوصا الرسول الأمين رسول رب العالمين، وهو أن الداعي لَا يستفزه غضب ولا يثيره أذى، ولا يمنعه تجهم وسوء معاملة، بل يجب أن يكون البشير النذير دائما في قرب للقلوب، وإدناء للنافر وإيناس للشارد؛ لأنه الطبيب المداوي، وليس الحاكم المسيطر (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ).

لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا شخصية قوية عالية، من شأنها أن تعلو دائما، وهي تُرهب الفجار، ولكن لم يدعُ محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة إلا بقوة الدليل، وبالنفس الأليف التي تقرب ولا تبعد.

وكانت تلك الشخصية الجبارة تبدو من حين لحين تعلن عن وجودها، جاء رجل يطلب دينا من أبي جهل فاستعان بملأ من قريش، فأشاروا عليه بأن يستعين بصاحب هذه الدار مشيرين إلى دار النبي تهكما بالرجل وبالنبي معا، ولعل الذين استعانهم من أشكال أبي جهل فالرجل الغريب ذهب إلى النبي، فأشكاه الرسول القوي، وذهب به إلى دار أبي جهل، فصك داره صكة ارتعدت فرائص أبي جهل لها، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قوله الحازم الآمر: " أد الرجل دينه "، فدخل وأعطاه الدَّين صاغرا. وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستخدم تلك الشخصية التي تفرض الحق على من يخاطبه، إنما تطامن، ورضي بأن يكون الداعي غير الغليظ إدناء للنفوس.

هذا معنى الصفح الجميل، أي الإعراض في قرب ومودة وإلف من جانبه؛ ولذا كان الإسلام، ينمو ويزيد، ولا ينقص ويقل.

ولقد أكد اللَّه سبحانه وتعالى الإخبار بخلقه لهذا الوجود بالحق، فقال عز من قائل:

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>