للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هوى الفاسدين الذين يكون هواهم منبعثا من شهواتهم الجامحة لَا من دين " اتبعوه، ولا من نصوص، بل هواهم، وليس كمن قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " (١)، بل أهواؤهم تبعا لشهواتهم، وتبعًا لانحراف في نفوسهم.

لَئِنِ اللام فيها دالة على القسم، والجواب جواب القسم وقد سد مسد جواب الشرط، وهو قوله تعالى منبها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه لَا يقع في اتباع أهوائهم إلا الظالمون (إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) ففي هذا تحذير للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ظاهر اللفظ وهو تحذير لأمته، وخصوصا من يقعون تحت مثل هذا الإغراء بإِتيان الهوى، وإنه يجب الحذر من أن يكون في سلك الظالمين.

وقوله تعالى: (إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) فيه إذن الدالة على الشرطية والجزاء والدالة على ترتب الحكم على ما كان من اتباع أهوائهم، إذ معنى إذن، أنه إذا كان ذلك الاتباع قد وقع، فبسببه تكون من الظالمين، فوقوع (إذن) بين اسم إن وخبرها فيه إشارة إلى سبب الحكم وهو هذا الاتباع الذي لَا يمكن أن يكون ممن جاءه العلم النبوي بمقتضى الرسالة الإلهية. .

هذا وإن الكلام فرضي لَا واقعي، ولكنه فرضي فيه تحذير من الوقوع فيه، فالمعنى: إن فرض واتبعت أهواءهم مع علمك ببطلان ما عندهم، فقد سايرت الذين ظلموا ورسخوا في ظلمهم، فإنك إذن معدود في سلكهم وجمعهم الآثم. وقد أكد الله سبحانه وتعالى الظلم ممن يتبع الهوى، وهو عالم غير غافل أولا بإِن، وثانيا باللام، وثالثا بالجملة الاسمية الدالة على الاستمرار والثبات، وإن ذلك كله للتحذير من اتباع الهوى، وموافقة الآثمين في إثمهم، والله سبحانه وتعالى هو العاصم من الضلال.

* * *


(١) عن أبِى هُرَيْرَة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يُؤْمِن أحَدكُمْ حَتَّى يكون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ " أخْرَجَهُ الْحَسَن بْن سُفْيَان وَغَيْره، وَرِجَاله ثِقَات، وَقَدْ صَحَّحَهُ النَوَوِى فِى آخِر الأرْبَعِينَ. [فتح الباري: يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم (٦٧٦٤)].

<<  <  ج: ص:  >  >>