للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) إلى أمم مختلفة أزمانهم متباينة مشاربهم وأجناسهم، ولكنهم التقوا على أمر جامع بينهم، وهو الشيطان يزين لهم أعمالهم الفاسدة المفرقة لجمعهم، ولذا قال سبحانه: (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) و (الفاء) للترتيب والتعقيب، أي أن اللَّه تعالى أرسل إليهم الرسل بالهداية، فكان وراء الرسول الهادي تزيين الشيطان يهدم ما يدعو إليه الرسول يزين في قلوبهم الخبيث فيجعله حسنا في زعمهم، واللَّه تعالى يقرر على لسان رسوله أنه باطل ما يصنعون.

وتزيين الشيطان لهم، أنه يأتيهم من قبل أهوائهم وشهواتهم فيزين لهم الشر فيما نهى اللَّه عنه، كما قال جد الأبالسة لأبي الخليقة آدم (. . . مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠).

(فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) الفاء لترتيب ولايته لهم، أي الولاء والمحبة على التزيين، أي أنه إذ زين لهم الشهوات فحسبوها المصلحة والحقيقة الحسنة العقبى صار صاحب الولاية، والولاء والمحبة منهم يسيرهم كما يشاء.

والضمير في (وَلِيهُمُ) يصح أن يعود إلى الأمم، أي أن الشيطان بعد هذا التزيين صار صاحب الولاية عليهم، يصرفهم اليوم كما يشاء فأسلموا زمامهم له، وفى ذلك سلوى للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ويصح أن يكون الضمير يعود على قريش بقياسهم على من سبقوهم، وتقرير أنهم أولياء الشيطان بهذا التزيين المستمر، ثم ذكر العاقبة، فقال عز من قائل: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، أي مؤلم إيلاما لَا نعرف له في الدنيا حدودا، وولايتهم على أي حال في الدنيا، وأما في الآخرة فيتبرأ منهم.

وقد بين سبحانه وتعالى: أنه أنزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون جامعا لما سبقه مبينا الحق فيه فقال:

(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>