للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاندفاع وراء غضب جامح يخرج عن حد المعقول، إلى حد ما ينكره المجتمع ويتجافاه، ويقطع المودة وينقض ما أمر اللَّه تعالى به أن يوصل.

الأمر الثالث - (وَالْبَغْي) هو الاعتداء على الناس، والتجبر والاستعلاء عليهم، وأن يمنعهم حقوقهم ويأخذها بغير حق، وإن ذلك من آثار الوهم بأنه من صنف أعلى من صنفهم، فيغالي في الاستهانة بهم، ويبغي عليهم في حقوقهم، ويبخسهم حقهم، كما نرى الآن من بغى بعض الناس على بعض باسم أنهم سود، أو باسم أنهم من الأمم النامية، أو باسم الطبقات، فكل ذلك من وهْم الاستعلاء والغلو في إعطاء أنفسهم حقوقا ليست لهم، ولكنهم يفرضونها لأنفسهم، وسببها بغيهم وظنهم أنهم من صنف فوق الناس وأن الناس دونهم، ولقد قال البيضاوي في البغي ما نصه: " والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم، فإنها الشيطنة التي بمقتضى القوة الوهمية، ولا يوجد في الإنسان شر إلا وهو مندمج في هذه الأقسام صادر بتوسط إحدى هذه القوى الثلاث (أي الشهوة أو الغضبية أو الوهمية).

وختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى: (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكمْ تَذَكَّرُونَ)، أي رجاء منكم بأن تذكروا هذه الأوامر فتطيعوها، وهذه المنهيات فتجتنبوها، وتكون لكم موعظة تتعظون بها، وتعتبرون في اتصالكم بالناس والحياة بها.

لقد قال ابن مسعود: إن هذه أجمع آية لمعاني الإسلام، ويروى عن عثمان ابن مظعون أنه قال: أسلمت حياءً من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما سمعت هذه الآية آمنت بالإسلام حقا وصدقا.

ويروى أن أكثم بن صيفي حكيم بني تيم وخطيبهم، وكبيرهم في سنه لما بلغه مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يذهب وقد بلغه الكبر، فأبى عليه قومه، وقالوا: أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه، قال: فليأت من يبلغه عني، ويبلغني عنه، فدعا رجلين، فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك: من

<<  <  ج: ص:  >  >>