للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون آمنا من جانب من عاهدهم، وينصرف لتنمية ثروته، وتمكين قوته، والانفراد بأعدائه الذين لم يعاهدوه، وانظر إلى عهد الحديبية الذي عقده النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين، فإنه انصرف في المدة التي كان فيها عهد الدعوة إلى الإسلام، حتى كان من دخلوا في الإسلام بعد العهد أضعاف من دخلوا من قبله بل أضعاف أضعاف وانفرد - صلى الله عليه وسلم - لليهود، فغزاهم في خيبر، وخرج للرومان في خيبر.

والعهد ليس أبديا بل ينقض إن كانت خيانة، أو مظنة خيانة كما قال تعالى:

(وَإِمَّا تخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ. . .).

وإن العهد لَا يكون بين دولة الإسلام وغيرها من الدول فقط، بل يكون في داخل الدولة الإسلامية كالإخاء الذي كان بين المهاجرين والأنصار والمهاجرين بعضهم مع بعض والأنصار بعضهم مع بعض.

وقد أكد سبحانه الأمر بالوفاء بالنهي عن النقض معللا النهي، فقال تعالت كلماته: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا).

أي لَا تنقضوا العهود لأنها نقض للأيمان بعد توكيدها، والتوكيد هو التأكيد، وهما لغتان جائزتان وتوكيد الأيمان معناها أن تكون باسم اللَّه، وبأن تكون أمام شهود وفي مجالس تقرها وتؤيدها، والكفيل هنا هو الرقيب الضامن، فمن عاهد بيمين اللَّه، فقد جعل اللَّه تعالى كفيلا له ضامنًا لقوله فعليه أن يحترم، وكفيلا - هنا تتضمنه معنى الرقابة؛ لأن الكفيل يراقب المكفول، حتى يؤدي ما التزم أداءه.

وقد بين سبحانه مضار النقض، وأشار إلى ذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، أي عليم بما فعلتم وقد عقد العهد، ووثقتموه بيمين اللَّه تعالى، وعليم

بفعلكم إذا أردتم النقض، وقد أكد سبحانه وتعالى علمه الأزلي بالجملة الاسمية، وبـ إن، وبلفظ الجلالة، وبتقديم الجار والمجرور على الوصف؛ لأنه يفيد مزيد العناية بأفعالكم وشدة رقابته عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>