للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان يفعل الذين لَا يرقبون في المؤمنين إلَّا ولا ذمة وإن هذا النص السامي يدل على ثلاثة أمور:

الأمر الأول - أن العهد قوة، وأن الوفاء به استمساك بما فيه قوة، وأنه يكون كالحمقاء تفعل ما هو سبب للقوة ثم تنقضه، وأن الأمم مهما تكت قوتها إذا استهانت بالعقود لَا يثق الناس في رجائها، فإذا كانت الشديدة تلفتت فلا تجد أحدًا حولها؛ لأنه لَا ثقة فيها، وقد رأينا ذلك رأي العين في أمم شرقت وغربت، ثم تزايلت حتى زال سلطانها.

الأمر الثاني - أن العهد إن زحم نقضه غشا وخديعة لَا يقدم عليه أهل المروءة والأعزَّاء، وعبث بأيمان اللَّه سبحانه وتعالى.

الأمر الثالث - أن علو الأمم في الوفاء بعهدها لَا يصح أن تتخذ النقض أمة لتنمو وتربو فإنها إن ربت ونمت بالإخلاف بالوعد، فهو نمو يحمل في نفسه ما يوجبه انحلاله وذهاب قوته.

وإن الوفاء بالعهد بين الأمم احترام الإنسانية التي يعقدون معهم، فهم يعدونهم أناسي مثلهم يعوفون حقوقهم ويراعون الواجبات نحوهم، والذين ينقضون العهد تسول لهم قوتهم أنه ليس لأحد حقوق قِبلهم، ولا يعاملونهم إلا كمن هم دونهم، وقد رأينا ذلك في حكومة عاتية أزالها فساد عهودها، ونراها الآن في وريثة لها تكبر من غير عهد ولا ذمة ولا ضمير ويحسبون الناس قد أباحتهم لهم قوتهم.

وإن الوفاء بالعهد، وهو من مكارم الأخلاق وملاحظة حقوق الإنسان لأخيه، ونقض العهد نقيض ذلك وكثرة الأمم وقلتها وهو من ابتلاء الله تعالى للأمم وللناس؛ ولذا قال تعالى: (إِنَّمَا يَبْلُوكمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقيَامَةِ مَا كنتُمْ فِيهِ تَختَلِفُونَ)، الضمير في (بِهِ) يعود إلى أن تكون أمة أربى من أمة أو إلى نقض العهد لذلك، أي يختبركم اللَّه تعالى بأن تكون أمة كثيرة العدد واسعة

<<  <  ج: ص:  >  >>