للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن ذكر الله تعالى هو الخير كله، روى ابن ماجه أن أعرابيا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت على فأنبئني منها بشيء أتشبث به قال: " لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل " (١).

وإن أعلى درجات الذكر شكر الله تعالى، ولذا قال تعالى بعد الأمر بالذكر: (وَاشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ) وهنا نجد الشكر تعدى باللام وقد قال الفراء: إن ذلك هو الأفصح، ولكن يجوز اشكر لي واشكرني.

وشكر العبد لله تعالى؛ الثناء عليه، وأن تكون نعمه لما خلقت له من طاعة، خلق له السمع فشكره لنعمته ألا يسمع زور القول ولا ينفذه، وشكر نعمة اللسان ألا ينطق إلا بالحق، وشكر نعمة اليد ألا يبطش إلا لتحقيق العدل، وألا يعمل إلا ما هو حق وألا يعتدى على حق غيره، وألا يؤذي، وأن يحمي الضعيف وينصر المظلوم، ويغيث المستغيث، ويدفع الكوارث عن المؤمنين، وأن يفك العاني. .

وشكر نعمة الرِّجل ألا يسعى إلا في خير، وألا يسعى في ظلم، وأن يذكر دائما أن من سعى مع ظالم فقد ظلم.

وإن شكر نعم الله تعالى ليرجو به الشاكر زيادتها، ولقد قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ولَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

وإذا كان الله تعالى قد أمر بالشكر، وهو الطاعات، والأخذ بالهدى المحمدي، فقد نهى عن الكفر فقال: (وَلا تَكْفُرُون) والنهي عن الكفر معطوف على قوله تعالى: (وَاشْكُرُوا لِي) يجعلنا نتصور أن تكفرون فيها ياء المتكلم محذوفة أو بالياء كما قى قوله تعالى: (فَلا تَخْشَوا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ. . .)

ويكون معنى كفر الله تعالى عدم ذكره، وعدم معرفة حقيقة نعمه، ولكن الظاهر أن المراد النهي عن الكفر المطلق، وهو ألا يعتقد بالوحدانية وألا يؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو مقابل للشكر لأن حقيقة الشكر ابتداء هي القيام بالطاعات كلها، وهو مع ذكر الله تعالى الإحساس بأنه كله لله تعالى. وفقنا الله تعالى للشكر وجنبنا الكفر.

* * *


(١) رواه ابن ماجه: الأدب - فضل الذكر (٣٧٩٣) عن عبد الله بن بسر، وبنحوه عند الترمذي: الدعوات - فضل الذكر (٣٣٧٥) وأحمد: مسند الشاميين - حديث عبد الله بن يسر (١٧٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>