للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (إِن رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا)، فيها معنى الحماية الكاملة، والاعتماد على ركن لَا خلل فيه فقط، كما يقول القائل للسارقين ما سرقوا، ولذي المال ما ملكوا، ولكل إنسان ما يملك من مال ونسب، وأما المؤمنون الصادقون في إيمانهم فلهم الجنة، فمعنى هذه الجملة السابقة أن قوتهم وحمايتهم من الله فقط؛ ولذا قدم قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ) على الجار والمجرور، لبيان مكانة ناصرهم، وأنه فوق النصراء جميعا، فإذا كان الأقوياء قد آذوهم، وأعنتوهم، وحرموا الهناءة، إلا أن تكون قلوبهم عامرة بذكر الله وقوله: (لِلَّذِينَ) بـ (اللام) للاختصاص، أي أنهم مختصون به دون غيرهم.

وقال تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا) الفتن يكون للمعدن ليخرج ما خالطه من مواد مغايرة لجوهره، وفتن المؤمل تمحيصه، وأن تذهب كل ما عساه يعلق به من أدران الدنيا، والهجرة الواضحة هنا أنها هجرة الأولين إلى الحبشة، ويصح أن يراد الهجرة إلى الحبشة والمدينة وإذا كانت السورة مكية، فهي تتبئنا بالهجرة إلى المدينة التي كانت أول الجهاد ومن كان الجهاد، وقوله تعالى بعد ذلك: (ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا) إخبار أنه سيكون جهاد بحمل السيف، والغزوات المباركة، والسرايا التي كان يبعثها النبي - صلى الله عليه وسلم - للجهاد والدعوة وإن عطف وصبروا على الجهاد مع أن الجهاد عدته الصبر أولا، وإعداد الأدوات بالمحل الثاني، إن هذا العطف يفيد أن المؤمن يختبر بأمرين الصبر، وهو مختبر به دائما، وقد كان قوة المؤمنين وهم بمكة، وثاني الأمرين الجهاد في سبيل الله بحمل السيف مدافعا، محاربا، وهذا يحتاج الصبر، كما قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠).

وبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أنه للمؤمنين، في مقابل أن الذين كفروا بعد إيمانهم للشيطان ذكر سبحانه أخص صفات الذات العلية وهو أنه غفور رحيم، (قال: (إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفورٌ رَحِيمٌ) الضمير في (بَعْدِها) يعود إلى الهجرة، ذلك لأن الهجرة بعد صقل النفوس بالفتنة تتجه إلى الله، وقد سترت كل ذنوبها،

<<  <  ج: ص:  >  >>