للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنفير، فهو يبين لهم الحق في غير مخاشنة وإن خاشنوه، وفي غير غضب وإن غاضبوه، فالنبي لَا يغضب ولكن يهدي فلا يفجؤهم يما لَا يحبون، بل يأتيهم بالحق مما يحبون ما دام لم يكن باطلا، ولا يكون جافيا في قول أو خلق، ولا يكون غليظا بادي الغلظة، بل يكون ودودا بادي الودة، من غير أن يكون مداهنا في حق، فإن المشركين يودون أن يكون مداهنا في الحق كما قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ).

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

أمر اللَّه نبيه بأن يبذل غاية الجهد في الدعوة من غير مغاضبة بل بالمودة والملاينة والرفق في القول والعمل، والمجادلة من غير مشاحنة ولا مخاصمة، بحيث يكونون في جانب، وهو في جانب، ولا يظن أنه بذلك يتأكد إيمانهم فإن منهم من يضل، ومنهم المهتدي، وعليه التبليغ، وليس عليه الهداية؛ ولذا قال: (. . . فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغ. . .)، وقال في هذه الآية: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) هذا النص السامي كأنه جواب عن استفهام مقدر في القول: أبعد الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن يكون الإيمان لَا محالة؟، فأجاب سبحانه: فيهم من كتب عليه الضلال وفيهم المهتدي.

(إِنَّ رَبَّكَ) الذي يعلم كل شيء لأنه رب الإنسان والوجود (أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ)، أي بمن سلك سبيل الضلالة وأوغل فضل، (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

ونقول: إن أفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأنه لَا مفاضلة بين علم اللَّه وعلم أحد، وإنما الذي يقصد من أفعل التفضيل أن علمه بلغ أقصى درجات العلم فلا علم فوق علمه سبحانه.

ويلاحظ أنه يعبر عن الضالين بالفعل، (ضَلَّ)، وعن الذين هداهم اللَّه تعالى (بِالْمُهْتَدِينَ)؛ للإشارة إلى أن الضلال مخالف للفطرة حادث عارض لها،

<<  <  ج: ص:  >  >>