للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقد استدل أصحاب هذا القول بما روى الحسن البصري عن أن قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) وقالوا إن الرؤيا هي ما يكون في المنام، كما حكي عن سيدنا يعقوب: أنه قال لابنه يوسف بعد أن قص عليه ما رآه في المنام: (. . . لَا تَقْصصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ. . .).
وجاء في كتاب البصائر للفيروزابادى: " الرؤيا ما رأيته في منامك، والجمع رؤى كهدى، وقد تخفف الهمزة من الرؤيا، فيقال بالواو " (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ج ٣، ص ١٧٧). وهذا وغيره نصوص صريحة في أن الرؤيا منامية. ولكن أهي كانت في الإسراء أم كانت في المعراج؛ إن رواية الحسن رضي اللَّه عنه تقول: هي ما كان في ليلة المعراج، نعم إن الليلة كانت واحدة، ولكن النص على ليلة المعراج يدل على أن كلام الحسن ومن معه في المعراج لَا في الإسراء.
ويستدل أصحاب هذا القول، وهو أن الإسراء كان بالروح بحديث البخاري عن أنس بن مالك قال: ليلة أسرى رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام. فقال أولهم: أيهم هو، قال أوسطهم: هذا، وهو خيرهم، فقال آخرهم. خذوا خيرهم. . . فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، ولم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند زمزم، فتولاه منهم جبريل. . . والحديث طويل وقال في آخره واستيقظ وهو في المسجد الحرام، ويرى صاحب الروض الأنف أنه نص لَا إشكال فيه.
ونرى أن فيه إشكالا؛ لأنه نص فيه على أنه كان قبل أن يوحى إليه، ونرى أنه لم يتعرض لذكر الإسراء والمعراج، ولعلها كانت إذا صحت الرواية في موضوع آخر.
ويرى صاحب الروض الأنف أن الأدلة قد تعارضت بالنسبة للإسراء، وأنه يوفق بينها بأن الإسراء كان مرتين: إحداهما بالروح والأخرى بالجسد والروح.
ونحن نرى أن الأدلة لم تتعارض، بل الأدلة على أن الإسراء كان بالجسد والروح هي التي لَا ريب فيها، ولا يمكن أن يعارض الضعيف القوي.
ولذا نرى أن الإسراء كان بالجسد والروح، ولا نجد فيما استدل به على ما يدل على أنه كان بالروح فقط، وإن الآية (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لَا نرى أن موضعها هو الإسراء، بل إن موضوعها هو المعراج.
ولا غرابة في أن ينقل اللَّه تعالى نبيه من مكة إلى بيت المقدس وأن يعود به في ليلة واحدة، فإن هذا ليس ببعيد على اللَّه تعالى؛ لأن المسافات في الزمان والمكان، إنما هي بالنسبة للعبيد، ولا تكون قط بالنسبة للَّه سبحانه وهو القادر على كل شيء، وهو خالق الأماكن والأزمان.
المعراج بالروح: إن الاكثرين من العلماء على أن المعراج كالإسراء كان بالجسد والروح، وأخذوا ذلك من ظواهر الأحاديث الصحيحة التي روتها السنة، ففيها التصريح بأنه لقي آدم في سماء، وإبراهيم في مثلها وإدريس، وعيسى ويحيى وموسى، وهذه الظواهر آثروا الأخذ بها.
ولكن أولئك الأكثرين وقفوا عند رؤية اللَّه تعالى، فقال فريق منهم إنه رأى ربه وخاطبه، وكان ذلك تكريما له لمخاطبة اللَّه تعالى اختص به محمد صلى اللَّه تعالى عليه وسلم تعظيما وتقريبا له، وهو فوق =

<<  <  ج: ص:  >  >>